الانتهازية تصرُّف مفضُوح

آراء 2023/12/04
...

عصام كاظم جري

سأل أحد الخبراء مدير مكتبه قائلا له :هل 3 + 3 = 7 ؟ فأجابه: سمعت كلامك ياسيدي وعجزت عن فهمه، لأني لا أملك القدرة على تفسير قول عالِم مثلك؟
ففهم الخبير أن مدير مكتبه هذا منافق وانتهازي.
هذه القصة ببساطتها تكشف طغيان النفاق والكذب والتحايل، رغبة في خدمة المصلحة الشّخصية وانتهاز الامتيازات اللامشروعة.
الانتهازية تصرُّف مفضُوح ، وهي انْكِشاف المساوئ أمام الملأ، والشهرة بما يعاب انكِشاف فاضح، والفضيحة ما ينكشف من انحِراف عن القيم الأخلاقيّة والسلوكيّة، أو ما يجلب القُبح ويؤذي المشاعر الإنسانيّة والأخلاقيّة والذوق العام .
نحن نعلم جيدا بأن بعض الفضائح أدّت إلى استقالة حكومات كاملة.
وإن كلَّ شخص يضع أو ينصبُ نفسه في مقدمة القافلة السياسيّة أو الثقافيّة أو الإعلاميّة ، فضلا عن الاجتماعيّة والتربويّة وغيرها ، من دون حساب أو احترام أو ذوق أو تردد أو خجل أو أحساس بالذنب أو حق واستحقاق هو فعْل فاضح.
وقال أبو الطبيب المتنبي في هذا المعنى "ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مُضِرُّ به كوضع السيف في موضع الندى".
إذًا الانتهازيّة فعْل سلْبي، ويأتي بمعنى بادر إلى اقتناص الشيء ،حين نقولُ انتهز الشيء، أي أفرط وقبّح به، وبمعنى آخر أسرع إلى تناوله ونهض لاغتنامهِ.
وبالمجمل الانتهازيّة مقرونة بالقباحة وموازية لها تماما، فمن يقتنص الفرص ويستغل أي وسيلة للمنفعة الشّخصيّة يسمّى انتهازيا، وهو الذي يقفُ منتظرا ومستغلا أيَّ ظرفٍ أو فائدة ممكنة بطرق غير أخلاقيّة أو شرعية، وبالعادة الطريق الثقافيّ والسياسيّ والإعلاميّ ليس بمنح هبات من أحد، وهو ليس بتنصيب واحتلال مقعد أو موقع أو مكان ما، وإنما له صفات فائقة وكبيرة وعظيمة، ونستطيع القول: إن الانتهازيّة غاية تبرر الوسائل كافة، وهي من الأعمال السّلْبية والمنسوبة إلى السّلْب والنفي، أي إنكار الحقائق والوقائع، وبالانتهازيّة يكون النفي ظاهرا بالعادة وجليا للعيان، لهذا نقول: هذا ردٌ سلْبي أو جوابٌ سلْبيٌّ أو فعلٌ سلْبيٌّ، بمعنى افتقر إلى توصيفات لا تؤدي إلى القيم والأخلاق السّامية والذوق الرفيع.
إن هذا الفعْل القبيح لا يقفُ عند حد المظاهر والسلوكيات الخارجيّة فقط، وإنما يرافقها بعض الآثار النفسيّة والجسديّة والذهنيّة.
"هناك ناس تجعلهم السّلْبية يظهرون بمنظر السّذج أمام الجميع، فهم لا يستطيعون أن يتحكموا بسلبيتهم".
والانتهازيّة صورة أخرى من الأنانيّة أو الأنوية، وبالتالي تصيب الشخص بالغرور أو الاستعلاء على الآخرين، ويقينا هذه النزعة تعززُ التراكمات السّلْبية، سواء من الجنبة العقليّة أو البدنية أو الاجتماعيّة وغيرها.
والانتهازي هو من يتودّد  ويليَّن كلامَه ويتذلّل، ويبدى من الوُدِّ ما ليس في قلبه، ويتضرّع فوق ما ينبغي، وهي المداهنة ايضا.
قال تعالى في الآية 204 من سورة (البقرة) "ومِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُك قوْلُه فِي الحَياةِ الدُّنيا ويُشْهدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ".