سرور العلي
أصبح عبد الله محمد أباً لأربعة أبناء، بالرغم من سنه الصغيرة، إذ رغب والده أن يتزوج ليكبر أولاده معه، وفقاً ما متوارث في مجتمعنا يقول عن ذلك:{تحملت المسؤولية باكراً، فلم أكمل تعليمي، ولجأت للعمل في أحد أفران المعجنات، لتوفير لقمة العيش وسد احتياجات أبنائي}. وأكد أنه لن يتخذ تلك الخطوة مع أبنائه مستقبلا، لكي لا يواجهوا التحديات نفسها، بل سيترك لهم حرية اختيار شريك الحياة، وضروري ان يكون ذلك بعد اتمام تعليمهم.
اختلاف الأجيال
من ناحية أخرى يرى الموظف أحمد سليم أن الأبوة المبكرة، لها دور مهم في حياة الأب وأبنائه، من خلال المشاركة في الأنشطة الترفيهية، بمباراة كرة القدم والعزف والموسيقى وألعاب الفيديو، وقضاء وقت ممتع معاً، واختيار الأشياء المشتركة والتخصص التعليمي المناسب، حيث يتاح للأب أن يصبح صديقاً لأبنائه وقريباً منهم، ويفهم مشاعرهم وما يرغبون بفعله، لأن السنوات التي تفصل بينهم قليلة وبالعكس تماما إذا كان بسن متقدمة، ففي كثير من الأحيان ستكون هناك فجوة بينهما، بسبب فارق العمر واختلاف الأجيال، وتغير الأزمنة ما يجعلهم مختلفين في كل شيء، وعادة ما يكون الأب غير راضٍ بأفكار أبنائه، وما يقومون به من أفعال وسلوكيات، وقد لا يحصل تفاهم واتفاق بينهم بكثير من الأمور والقضايا المهمة في الحياة، ويعيشون الأبناء في ظل بيت يسوده خوف دائم، جراء بعض القواعد والقوانين الصارمة، التي يفرضها الآباء، وبالتالي يحصل شرخ كبير بينهم لعدم وجود الانسجام والاستقرار بمشاعرهم وعلاقتهم.
رفيق حقيقي
لفت الشاب أنس عصام إلى أن والده هو من أقرب الأصدقاء له، فيذهبان معاً لصالون الحلاقة، ويختاران تصفيفة الشعر نفسها، ويقضيان معظم الوقت في التسوق وشراء الثياب المناسبة، أو المشاركة في الرحلات مع بقية الأصدقاء.
مضيفاً “نحن لدينا ذكريات رائعة وممتعة كثيرة، وقريبان من طريقة التفكير، ونقدم النصائح بشكل دائم لبعضنا، كما يقوم والدي بتقبل أخطائي، واستفاد من نصائحه، لأنه يعدُّ رفيقا حقيقيا لي، ونتناقش دوما من أجل وضع الحلول للمشكلات التي نواجهها».
بينما أشارت الطالبة الجامعية عذراء جاسم إلى أن الأبوة المبكرة، تجعل الوالدين ينضجاًن مبكراً، وتكون لديهما خبرات وتجارب كثيرة، ويتمتعان بصحة جسدية ونفسية وعقلية جيدة، ويشعران بالطمأنينة ويتعلمان دروسًا مهمة في الحياة، كما أن التقارب العمري بين الآباء والأبناء سيمنحهم المزيد من الوقت، للمشاركة والاهتمام والتخطيط للمستقبل.
ارتفاع نسب الطلاق
في حين تجد زميلتها رغد حميد أن الأبوة المبكرة نتائجها وخيمة على حياة الزوجين، فهما لم ينضجا بعد وسيتحمل الأب مسؤوليات جمة أكبر من عمره، وستنشب الخلافات وتتزايد بتقدم السنوات، لا سيما وأنه ما زال بعمر صغير، ولا يمتلك الخبرة الكافية والتجربة لإدارة شؤون الأسرة، وسيواجه تحديات عديدة، كما أن الزواج المبكر سيحرمه من التعليم، إضافة إلى ارتفاع نسب الطلاق بين تلك الأعمار، خصوصا اذا حصل تدخل واطلاع من قبل أهل الأب مضطرين على حياته الجديدة، التي يعجز عن قيادتها بمفرده فيلجأ إليهم لمساعدته، وذلك ربما يعطي نتائج سلبية تؤثر في طريقته بممارسة الدور الذي يتطلب منه كأب. ويقاسمها الرأي الحقوقي رعد عبد الله قائلا: في السابق كانت ظاهرة الأبوة المبكرة نتيجة حتمية لانتشار الزواج المبكر حينها، لظروف معيشية وبيئية مختلفة واسباب عديدة كانت سائدة آنذاك، أما الآن وقد عاودت تلك الظاهرة بالانتشار مجددا، فذلك يدل على عدم وعي من قبل الأسر للواقع الحالي، وذلك ما يشكل خطورة لمستقبل أبنائها، ويجب تذكيرهم أن الحياة تغيرت بكل تفاصيلها ولا يمكن مقارنة هذا الزمن بما كان يجري بالماضي، والتاكيد على أن هناك معلومة مهمة ينبغي أن نزرعها في تفكيرهم، ان للزواج فترة عمرية مناسبة، وكذلك للانجاب بحيث تتجاوز مراحل الطفولة والبلوغ، التي تنتهي وتكتمل بالدخول بسن الشباب، حتى تسير الحياة بشكلها الطبيعي، ويفضل أن يكون ذلك هو الشائع والمعمول به اذا لم يكن هناك مانعٌ لتحقيق ذلك الموضوع.
متطلبات العصر
من جهتها تؤكد الدكتورة لاهاي عبد الحسين، باحثة اجتماعية: «إذ كنا نقصد بالآباء المراهقين، وتزوجوا عن وعي وفهم وتقدير لمسؤولياتهم الاجتماعية، فإنهم بالتأكيد قادرون على حمل تلك المسؤولية، وينبغي أن يكونوا كذلك، ولماذا نفترض أن الأم الشابة ستقوم بواجباتها تجاه أطفالها وتشّرف الأمومة، بينما نشكك بقدرة الأب المراهق على أن يقوم بذلك؟ فبعضهم يتصرف بطريقة غير مسؤولة، ويهتم بمتعه الشخصية، وبالنهاية فإنه يفشل، ويفقد بوصلة الحياة، الاهتمام بالأطفال هو تشريف، وواجب الأبوة تجاه كائنات لم تختر المجيء إلى هذه الحياة، فهما مدرسة، والمدرسة للتعلم والنضج، وليس للتسكع والاستهتار». م.م. هبة مجيد حميد/ تدريسية في جامعة النهرين/ قسم علم الاجتماع أوضحت: “يشهد المجتمع في الأونة الأخيرة ظاهرة زواج القاصرين من مراهقين ومراهقات، ما انتج ذلك عدد كبير من الآباء والأمهات ممن هم في سن المراهقة، إلى جانب عدم قدرتهم على تحمل أعباء بناء الأسرة، وأنا شخصياً لا أجد الآباء المراهقين قادرين على تحمل مسؤوليات الأبوة وتحدياتها، ويعود ذلك لعدم كفايتهم المادية، لمواجهة صعوبة الحياة وغلاء المعيشة التي نشهدها اليوم، وكذلك لعدم اكتمال أعمارهم ومعرفتهم في مجال بناء الأسرة، ورعاية الأبناء بشكل يتماشى مع متطلبات العصر».