كيفَ سيكونُ مُستقبل الحكومات المحليَّة المُقبلة؟

آراء 2023/12/05
...

 رضا المحمداوي 

تقوم عملية تحسين طبيعة الحياة العامة والارتقاء بالمستوى الحضاري للدولة والمجتمع معاً داخل منطلقات ومفاهيم التخطيط العلمي، على مبدأ تلبية احتياجات الحاضر المتعددة بمختلف أنواعها، والاستفادة من دروس الماضي وأخذ العبرة من حالات الفشل والتلكؤ والخطوات المتعثرة، وفي ضوء ذلك يتم الشروع بالتخطيط للمستقبل، ذلك المستقبل الذي سيحل بيننا بعد حين من الزمن، شئنا أمْ أبينا، وعليه يتوجب الاستعداد لمشكلاته ومتطلباته التي تتناسب طردياً مع احتياجات الفرد المتزايدة عبر الأجيال النامية

ومن دون تلك الثلاثيَّة الزمنيَّة بأبعادها الثابتة والمتحرّكة فإنَّ حالات الفشل والخيبة والخذلان ستكرّر نفسها إلى ما لا نهاية طالما بقيت البيئة العامة والعقليّة الدوغمائيَّة هي المتحكّمة بمقدرات البلاد والعباد.

وبغياب الدور التشريعي لمجالس المحافظات التي ستجري انتخاباتها المحلية يوم 18/12/2023، وتحديد واجباتها ومسؤوليتها في الجانب التنفيذي والرقابي أي مراقبة الأداء الوظيفي العام، فإنَّ (الحكومات المحليّة) هي مجالس خدمات عامة في أصلها وتفصيلها، والقيام بهذه الخدمات هي المعيار الأساس للنجاح، و(الخدمة) بهذا المفهوم ينبغي أن تكون هي المقياس في التعبير عن ثقافة المرشح لموقع المسؤولية والمنصب الوظيفي، فضلاً عن تحلي ذلك المرشح للخدمة العامة بمواصفات مثل النزاهة والحرص والشعور بالمسؤوليَّة والإخلاص في العمل وغيرها..

- فهل توجد تجربة ناجحة لأحد مجالس المحافظات ولا سيِّما في محافظات الوسط والجنوب يمكن الاحتكام إليها والقياس عليها؟

- وما هي مُقوِّمات وأسس هذا النجاح إذا افترضنا جدلاً أنَّ هناك تجربة ناجحة؟

واقع الحال يشير بصورة عامة إلى أنَّ واقع تلك المحافظات قد انحدر من سيئ الى أسوأ، ولمْ تقدّمْ تجارب الحكومات المحليَّة أيّة إشارات نجاح أو بوادر مشجّعة للتعويل على التجربة الانتخابيّة المحليّة المقبلة، وأقرب نماذج الفشل الإداري والتنظيمي تبرز في المحافظات المنتجة للطاقة وخاصة النفط والغاز والتي يفترض بها أنْ تعيش في بحبوحة اقتصادية واضحة بفضل ما تحتويه تحت أرضها من ثروات طبيعية تدرُّ عليها عائدات ماليّة كبيرة بشكل يومي، وكان يفترض أنْ تنعكس على المستوى المعيشي والتطور الاقتصادي بما يحقق الرفاهية لمجتمعات تلك المحافظات، لكن واقع الحال يشير إلى العكس تماماً من ذلك حيث تنتشر البطالة وترتفع مستويات الفقر بين سكانها وتتردى الحياة العامة بجميع مناحيها! 

- فمتى تؤتي تلك الثروات الهائلة أُكُلها لتقدّم الخبز الساخن والفاكهة الطازجة لأهالي تلك المحافظات المحرومة؟

وليس رجماً بالغيب القول إنَّ النتائج المرتقبة أو المتوخاة من الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات لن تكون ورديَّة ولن تزف بشائر الخير لمجتمعات تلك المحافظات المحرومة فالشلل والتكلس والفشل المتراكم على مدى 10 أعوام منذ أنْ أُجريتْ آخر انتخابات محليّة عام 2013، ومن ثمَّ إلغاء مجالس تلك المحافظات من قبل مجلس النواب قد ترك (الحكومات المحليَّة) مجرد مبانٍ متداعية وبملامح شاحبة وبهيكل إداري ضعيف وواهن لا يمنح للمراقب أنْ يرسم صورةً مشرقةً بمستقبلها المنظور، كما أنَّ التجربة الإداريَّة والتنظيميَّة التي تمتد لمدة 20 عاماً لتلك (الحكومات) لمْ تنجبْ سوى الفساد والصراع على النفوذ والتنافس على الصفقات و(المقاولات)، وعقود عمليات البيع والشراء بين الأحزاب الرئيسة المهيمنة على تلك المجالس وإداراتها، فكانت النتيجة النهائيَّة استنزاف الموازنات الماليَّة المخصصة لتك المحافظات بواسطة عمليات السرقة والاختلاس وهدر المال العام وسوء الإدارة الحزبيَّة واستغلال السلطة وهيمنة النفوذ السياسي من قبل أعضاء مجالس المحافظات أنفسهم ومن ورائهم الأحزاب السياسيَّة الكبيرة الماسكة بدفّة الحكم في الحكومة الاتحاديّة في بغداد وامتداد أذرعها الأخطبوطيّة السياسيّة والاقتصاديّة لتلك المحافظات، حيث تجري دائماً عملية إعادة إنتاج صيغة أو صورة مصغرة لواقع الحال السائد أو الموجود في مجلس النواب والمحاصصة الوزاريّة في الحكومة المركزيّة؟.

وبطبيعة الحال أنَّ قرار إلغاء مجالس المحافظات من قبل البرلمان العراقي عام 2020 وبقاء البقية الباقية من أعضاء تلك المجالس مشلولة وعاجزة عن الحركة طوال السنوات التالية قد ترك فراغاً دستورياً كبيراً كَشَفَ في جانب كبير منه مدى هشاشة الهيكل الإداري لتلك المجالس وحكوماتها (المنتخبة)، وهو الأمر الذي جَعَلَ المقار والمباني لتلك (الحكومات) أنْ تكون الهدف الأول للجماهير المحتجة في انتفاضة تشرين عام 2019، وكذلك الحال للمقار والمباني التابعة لأحزاب السلطة إذ تمَّ الهجوم على تلك المقار وحرقها أو هدمها كموقف مُعبّر عن مواقف المعارضة الشعبيَّة لمجتمعات تلك المحافظات.

وبما أنَّ نظامنا السياسي هو نظام ديمقراطي قائم على الانتخابات بوصفها الركيزة الأساسية في بنائه العام، فإنَّ الأداة أو الوسيلة الفاعلة والمؤثرة في هذه الانتخابات هي الأحزاب، كما أنَّ التعبير عن وجود تلك الأحزاب وإبراز شخصيات قادتها وزعمائها لا يبرز إلّا في الانتخابات، ولذا نجد أنَّ واجب الأحزاب أصبح مقتصراً على التحشيد الانتخابي والتعبئة الجماهيريّة إثناء الاستعداد والتهيؤ لخوض المارثون الانتخابي، وبعد الانتهاء من الانتخابات وإعلان النتائج وتمثيلها السياسي سواء في البرلمان أو الحكومات المحلية سنجد أنَّ تلك الأحزاب الفائزة هي التي ستشكل الحكومة وتقود الدولة وتؤسس لها وتبني مرتكزاتها، ومن ثمَّ ستؤدي كل فعالياتها الى إحكام قبضتها على دفة الحكم والسيطرة على مفاصل حركتها وتحديد بوصلتها.

وفي خضم هذا الجو السياسي المشحون بحمى التنافس بين الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات، ما زالت الأوامر القضائيّة التي تصدر من المحاكم المختصة، وكشف ملفات الفساد التي تعلن عنها هيئة النزاهة بحق بعض المحافظين أو أعضاء مجالس المحافظات السابقين تفضح العقلية الانتهازية السياسية التي كانت تدير بعض تلك المحافظات وتتحكم بمقدراتها، وهكذا نرى الذين كانوا يقفون في  الواجهة السياسية الأماميَّة قد أصبحوا -بعد صدور الأحكام- مجرد مجرمين مدانين، من دون ذكر بعض أسماء المحافظين أو المحافظات أو أعضاء مجالسها كنماذج حيَّة للفساد السياسي المستشري. 

تبلغ الميزانية المخصصة لإجراء هذه الانتخابات 345 مليار دينار مع جهود تنظيميّة وإداريّة هائلة مبذولة من قبل السلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة مع جهود جبارة من قبل الطبقة السياسيّة الحاكمة في المشاركة فيها وإدارتها والإشراف عليها. 

والسؤال:- هل هناك جدوى (سياسية) أو (تنظيمية) أو (إدارية) من صرف هذه الأموال الطائلة؟

- وهل ستنجح هذه الموازنة والجهود المبذولة في تحقيق (التغيير) و(الإصلاح) المنشود؟

- وإذا كان شعار أو هدف (التغيير) و(الإصلاح) لمْ يوضعْ كعنوان رئيس أو هدف مركزي لهذه الانتخابات، إذن ما الغاية من إجرائها؟

وهل  يمكن اعتماد النسبة المئوية للإقبال والمشاركة الشعبيَّة كواحد من مقاييس الفشل أو النجاح لهذه الانتخابات المرتقبة؟