حربٌ تختمر في أميركا الجنوبيَّة

آراء 2023/12/05
...






 سناء الوادي 


عندما تمعن النظر في تاريخ النزاعات حول العالم تدرك أن السبب الكامن وراءه أمّا الاقتصاد أو أنَّه حيثما وطأت أيادي العم سام، حلّت الحروب والدمار والنتيجة واحدة، لأنها تتحرك وفقاً لمطامعها الاقتصادية، فمن اللامنطقي أن تقدم أمريكا على إنشاء قاعدة عسكرية لها في غويانا في ظل النزاع الحدودي المحتدم بين الجارتين فنزويلا وغويانا منذ عام 1966، حيث نالت الأخيرة استقلالها عن الاستعمار البريطاني، ولم تعترف كاراكاس بهذا الاستقلال وهي التي تعدّها جزءاً من دولتها المنحلة أصلاً من كولومبيا الفيدرالية الكبرى، وليس ذلك فحسب، بل لم تعترف بدستورها، الذي يضع إقليم إسكيبو «المتنازع عليه» على خرائطها الرسمية.

عاد هذا النزاع للواجهة مجدداً بعد تقديم غويانا مناقصة أمام الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط، وكانت الحظوظ المرتفعة من نصيب شركة «اكسن موبيل» الأمريكية، التي فازت بها حينئذٍ، والآن فإنها تفتتح المرحلة الثالثة من التنقيب بطاقة 620 ألف برميل يومياً، ومن المرجح أن تصل لمليون برميل ما يعني ذلك أن غويانا ستغدو بالمرتبة الخامسة والعشرين عالمياً بإنتاج النفط. 

هذا ما رفضته فنزويلا قطعاً، فالتنقيب سيكون في إقليم إسكيبو الحدودي الملاصق لها، والذي يبلغ مساحة الثلثين من غويانا بيدَ أنَّه يتسم بطبيعة الغابات الكثيفة، ناهيك عن غناه بالمعادن النادرة ويعدّ الأشهر في تعدين الذهب وتهريبه عبر نهر إسيبو، الذي يربط غويانا بالبرازيل في مثلث حدودي جنوبي مع فنزويلا  أيضاً. 

وكنظرة خاطفة لطبيعة الحياة السياسية في أمريكا الجنوبية تجدها مليئة بالخلافات الحدودية الخامدة منذ زمن طويل، غير أنه ما أن تشتعل إحداها حتى ينذر ذلك باشتعالها كافة، ففنزويلا التي كانت لها اليد العليا بالمقاومة للاستعمار الاسباني لثلاثة قرون حتى نالت استقلالها واتحدت مع كولومبيا الفيدرالية هي والاكوادور وبنما إلى حين الانفصال عنها عام 1830، وحتى جاء قرار محكمة دولية للفصل في النزاع عام 1899، الذي حسم تبعية إقليم إسكيبو لغويانا إلا أن ذلك لم يثن كاراكاس عن مزيد من المطالبة به إلى أن عقدت محكمة جنيف التي أكدت أحقية غويانا به وذلك في العام 1966، ومذ ذلك الحين دأبت على إنشاء جيشها القوي بقواته الجوية والبحرية والراجلة، فضلاً عن كونها الدولة الوحيدة في أميركا الجنوبية المزودة بأنظمة دفاع جوي متوسطة وطويلة المدى مثال ذلك «اس 300» الروسي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن غالبية الأسلحة والمعدات لديها هي سوفياتية، هذا بالتأكيد يشير لعمق العلاقات الروسية – الفنزويلية، وعلى المقلب الآخر تتصف العلاقات مع واشنطن بالعداء الصريح فقد جاء على لسان عدة رؤساء من البيت الأبيض وصف النظام في كاراكاس بالاستبدادي.

هذا وتتواجد أكبر سفارة لروسيا في العالم في جورج تاون عاصمة غويانا، فالارتباط وثيق كما أسلفت بين دول أمريكا الجنوبية وروسيا من الحرب الباردة، ناهيك عن توجّه المارد الهندي والتنين الصيني للاستثمار وتعميق التعاون مع هذه الدول، فالتداول في النفط والألمنيوم بلغ حداً كبيراً، لكن هناك ما يجب الالتفات إليه بعمق فالغابات الكثيفة الأمازونية في هذا الإقليم مع قلة القاطنين فيه من السكان تعطيه ميزة عظيمة تستحق أن تتقاتل من أجلها الدول، وهي استحالة التقاط الأقمار الصناعية لأي صور لما يجري داخله، فيغدو من السهولة إخفاء أي شيء تريده عن أنظار العالم.

بعد كل ذلك السرد فإن إسكيبو تستحق أن تكون مطمعًا للدول الكبرى وتستحق تلك اللهجة الحادة التي نبس بها الرئيس الفنزويلي» نيكولاس مادورو» حين هدد أمريكا بالتراجع عن إقامة القاعدة العسكرية على ساحل غويانا المطل على البحر الكاريبي، لأنه يهدد الأمن القومي لدولته وأومئ باستعداده ب ثلاثمئة ألف مقاتل لإرجاع الإقليم لحضن الوطن. 

قد تكون فنزويلا بنظر المجتمع الكاريبي الذي يقف جنبا إلى جنب مع أمريكا تصعّد الأوضاع لما يفضي إلى شن هجوم مسلّح يشعل المنطقة هناك، لكن 

السؤال الأهم عن مدى جاهزية واشنطن للتورط في مستنقع جديد مع تلك التي أدخلت العالم بها، وهل كان النصر حليفها في أوكرانيا بعد حرب ستتم عامها الثاني قريباً، ناهيك عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بمباركة أمريكية ودعم كبير، والتي إذا ما توقفت ونأت إلى المفاوضات قد تشعل حرباً إقليمية في الشرق الأوسط، أطماع واشنطن وجبروتها وغبائها على مر الزمن 

كلف العالم الكثير من الضحايا وهي التي تضع نفسها في مقدمة المدافعين عن حق الشعوب والإنسان وهي في الحقيقة المنتهك الأول للحريات والسيادات، 

وبات من الواضح للعيان أن أمريكا لا يمكن أن تحكم العالم إلا بإشعال الفتن والصراع، فهل من 

متعظ. 


 كاتبة سورية