إبطال عريضة الدعوى

آراء 2023/12/05
...








 احمد عبد الجليل ظاهر

 كانت العصور الاولى من البشرية تلتجئ إلى القوة في حسم منازعاتها، فكانت الغلبة لمن كانت له القوة والسلطان، فكان الشخص يقتضي حقه بنفسه دون أن يلجأ إلى سلطة معنية بأمر الحقوق، ونتيجة لهذا فقد حلت الفوضى والاضطراب وانعدم الأمن والاستقرار، وأصبحت الغلبة لمن كان له قوة دون أن يكون له حق مما اقتضت الضرورة إلى ظهور مرفق عام، يرعى العدالة ويطمئن الناس إلى اللجوء اليه والى احكامه ولهذا نشأ جهاز القضاء الذي يمنح الافراد الضمانات الكافية لرعاية حقوقهم وحفظها وصونها من عبث العابثين

 وجعل الحق في اللجوء إلى هذا المرفق حقا عاما متاحا للكافة، ومصونا وتكفله الدولة للأفراد وبناء على ذلك ظهرت حاجة أخرى تتضمن ضرورة تنظيم هذا الحق، وطريقة ممارسته، وألا يكون ذلك عشوائيا وبشكل غير منظم، وهذا أدى إلى ضرورة تنظيم هذه الإجراءات، وترتيب الأوضاع الخاصة بها، خصوصا اذا ماعلمنا أن القضاء المدني هو قضاء يطلب، أي أنه لا يتحرك تلقائيا من ذاته، وإنما لا بد أن تكون هناك إجراءات يقوم بها طالب الحق المدعى به، أو الحق المراد حمايته، ويكون ذلك بصورة طلب (عريضة)، تقدم إلى الجهة المعنية بذلك (القضاء)، والذي يجب أن تتضمن شروطا وأوصافا معينة، وكان ذلك كله هو الحاجة التي تطلبت من المشرِّع إلى التدخل من اجل تنظيم ذلك بواسطة مايعرف (بالدعوى)، وجعلها الوسيلة القانونية للمطالبة بالحقوق وحمايتها وصونها، وجعل هناك قانون خاص ينظم ذلك، ويعني به ألا وهو قانون المرافعات المدنية في العراق وما يقابله في الدول الأخرى، وقد عدّت مرحلة تقديم الدعوى أمام القضاء، هي أول مرحلة للمطالبة القضائية، بالرغم من أن النزاع قد حصل قبل ذلك، بل يمكن القول إن اللجوء للقضاء لم يكن هو اصل نشوء النزاع بل ان اللجوء للقضاء هو أولى الخطوات لانهاء النزاع بين اطراف الدعوى، واما الخصومة فقد نشأت قبل الدعوى نفسها، ولكن الخصومة لا تكون قضائية، إلا إذا رفعت دعوى أمام جهة قضائية، معنية بالنظر بالنزاع الحاصل بين أطرافه، وبعد ذلك يقوم القاضي ببحث الإدعاء المقدم أمامه، وتقصي حقائقه، وتعد هذه المرحلة مرحلة تحضيرية للمرحلة الأخيرة، وهي مرحلة صدور الحكم في موضوع الإدعاء، وتنتهي مرحلة التحقيق، عندما تتمكن المحكمة من الوصول بالتحقيق إلى تكوين قناعتها في الإدعاء المطروح، فتقرر ختام المرافعة تمهيدا لصدور الحكم في الدعوى، وبعدها تختلي المحكمة من أجل إصدار الحكم، وهذا كله يتطلب التطرق إلى عدد من الأمور، التي تثير التساؤل منها ما يتعلق بمعنى الإبطال، وكذلك محل الإبطال وحالاته وطبيعة الإبطال القانونية، وهل هو تصرف قانوني أم إجراء إرادي، واذا كان تصرفا، فهل يتم باتفاق بين جميع أطرافه أم يتم بحكم القانون أم أنه يتم بالإرادة المنفردة من جانب المدعي فقط دون لزوم لحصول موافقة المدعى عليه، وما هي شروط الإبطال الإرادي، وكذلك الشروط الواجب مراعاة توافرها في العريضة، التي تقدم إلى القضاء، لكي تكون منتجة لآثارها، ومن هي الجهة التي تختص بالنظر في الطعن بالقرار الخاص بالإبطال، ومتى يكون من الممكن للطرف المقامة عليه الدعوى أن يطلب إبطال عريضة الدعوى، وماهي شروط ذلك، ولابد ابتداءً من بيان المقصود بكلمة العريضة والمشتقة من كلمة عرض الشيء عرضا وهي الصحيفة التي تعرض بها حاجة من الحاجات، وعريضة الدعوى هي صحيفة الدعوى التي يكتب بها المدعي ظلامته ويرفعها إلى القاضي، والدعوى اسم من الإدعاء وهو المصدر أي اسم لما يدعى وتجمع على دعاوى بكسر الواو، وفتحها والادعاء من باب الافتعال والادعاء، هو المصدر ومنه الاشتقاق يدعي إدعاءً، وهو اسم لما يدعي وادعيت الشيء زعمته لي حقا كان أم باطلا، وإن المشرِّع العراقي، قد اعتمد في تعريفه للدعوى على التعريف الوارد في مجلة الأحكام العدلية في مادتها المرقمة 1613، والتي عرفها فقهاء المهب الحنفي بانها طلب أحد حقه من آخر أو دفعه حق عن نفسه بحضور القاضي، ويقال للطالب (المدعي)، ويسمى المطلوب (المدعى عليه) ويسمى محل الدعوى (المدعى به)، وعرف الفقهاء المحدثون الدعوى بأنها (الوسيلة القانونية، التي يتوجه بها الشخص إلى القضاء للحصول على تقرير حق له أو حماية هذا الحق أو تمكينه من الانتفاع به، أو تعويضه من فوات الانتفاع)، اما الفيلسوف ديكي فقد عرف الدعوى بانها (حماية لقاعدة مقررة في القانون)، ونحن لا نتفق مع الأستاذ الفيلسوف، باعتبار أن التعريف إن كان ينطبق على القضايا الجزائية، إلا أنه لا ينطبق على القضايا المدنية، باعتبارها أوسع من الأولى، حيث قد تكون هناك حقوق ناشئة من أعراف أو تقاليد، وليس من نصوص أو قواعد قانونية مكتوبة، وبالتالي لن تكون مشمولة بهذا التعريف الذي يجب أن يكون مانعا جامعا، اما الأستاذ موريل فقد عرفها بأنها (وسيلة قانونية يمكن للشخص بواسطتها مراجعة المحاكم للحصول على اعتراف بحقه وعند الاقتضاء لصيانة هذا الحق)، اما استاذنا عبد الرحمن العلام فإنه يرى أن الدعوى لا تقتصر فقط على طلب الحق، وانما للدعوى دور في تقرير الحق، مثل دعوى عدم المعارضة ودعوى الاستماع للشهادة، ودعاوى تثبيت الحق، وذهب الأستاذ منير القاضي إلى أن الدعوى من الممكن أن تكون بتثبيت حق أنكر وجوده، ولو لم تقم عقبة في طريق استعماله، فالحق في الواقع قائم للمدعي، ولم يعتد عليه أحد، ولم يحدث فيه أحد ضرر، ولكن هناك من يعارضه في استعماله أو يدعي عليه حقا ما يغل يد المدعي، ويمنع من بسطها بشكل كامل على الحق محل الدعوى،   فهنا يلجا المدعي لاقامة الدعوى من أجل تقرير هذا الحق أمام القضاء، لكي يقطع أمل المدعى عليه بالمدعى به، وهنا يمكن القول إن هذه الدعوى هي لحماية ووقاية الحق وليس الادعاء بذات الحق والدعوى، حسب التعريف الوارد في المادة الثانية من قانون المرافعات المدنية يجب ان تتضمن ثلاثة عناصر 

وهي:

الطلب التحريري: حيث إن المشرِّع العراقي في المادة 44 من قانون المرافعات المدنية، اشار إلى عبارة (كل دعوى يجب أن تقام بعريضة).  

أن يكون الطلب منصباً على حق يقرّه القانون، ويزعم فيه المدعي قيامه له في ذمة المدعى عليه.  

أن يوجه الطلب المذكور إلى مجلس القضاء الأعلى أو اية جهة قضائية كأن تكون المحاكم الإدارية التابعة إلى مجلس الدولة، وبذا تخرج الطلبات المقدمة إلى الجهات الإدارية من مفـــهوم الدعــوى وايضا الطلبات، التي تقدم إلى اللجان التي تكون برئاسة قاضٍ، فهنا لا نكون أمام دعوى، لأن القاضي هنا لا يعد جهة قضاء وإنما جهة إدارة. 

واما شروط الدعوى فهي تلك الشروط، التي يجب توافرها لكي يقبل القضاء النظر في الدعوى، وهي تختلف عن الشروط الواجبة للحكم فيها لمصلحة احد الفريقين، وتلك الشروط يجب أن تتوافر في جميع الدعاوى، وقد احتوت المواد (3 – 4 – 5 - 6) من قانون المرافعات المدنية على شروط قبول الدعوى، وهذه الشروط هي: الأهلية والخصومة (أن يلزم المدعى عليه بشيء على تقدير ثبوت الدعوى)، وأن يكون المدعى به مصلحه معلومة وحالة وممكنة ومحققة، ومع ذلك من الممكن أن تكون المصلحة المحتملة أساسا للدعوى، إن كان هناك ما يدعو إلى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن، وأيضا من الممكن أن يكون الحق المدعى به مؤجلًا، لم يحن ميعاده على أن يراعى الأجل في الحكم، وفي هذه الحالة يتحمل المدعي مصاريف 

الدعوى، ويتعين على المحكمة أن تبحث في تواجد هذه الشروط قبل أن تخوض في موضوع الدعوى الأصلي، فإذا لم تتوافر حكمت المحكمة برد الدعوى، لسبب من هذه الأسباب المذكورة، ولا يعد حكم الرد الصادر هنا من جهة الموضوع لان البحث في هذه الشروط سابق على البحث في موضوع الدعوى وباعتقادي كباحث أن الرد هنا يكون بسبب (عدم قبول الدعوى)، وهو رد يتوسط بين الردود الشكلية والموضوعية ولو أن الواقع العملي كثيرا ما يخلط القضاة، وبعض الفقهاء بين الشكل وأسباب الرد، لعدم قبول الدعوى فمثلا انه اذا اقيمت الدعوى من غير ذي أهلية، فهنا من غير الممكن أن نقول ردت الدعوى شكلا، لأن قواعد الأهلية ليس من ضمن القواعد الشكلية، وإنما هي قواعد موضوعية بحته، ولكن لأنها لا تتعلق بذات موضوع الدعوى سميتها هنا اسباب (عدم قبول الدعوى)، فالدعوى بطلب دين إذا لم يتوافر فيها شرط الخصومة، مثلاً أصدرت المحكمة حكمها بردها من جهة الخصومة، ولا تتعدى للبحـــث في موضوع الدين وصحته وبقائه أو إيفائه، والدعوى بطلب إزالة شيوع عقار، إذا لم ترفع من قبل الشركاء على الشيوع أو ممن يمثلهم قانوناً ترد من جهة الخصومة، ولا تبحث المحكمة في موضع الدعوى، وما إذا كان العقار موضوع الدعوى قابلاً للقسمة أوغير قابل لها.

وبذلك فان الشروط الواجب توافرها لقبول الدعوى ثلاثة، وهي: (1) أهلية التقاضي (2) الخصومة (3) المصلحة.

ومن أهم الشروط التي ينبغي التركيز عليها هو شرط الخصومة، وقد اخترته في مقالنا هذا لكثرة ما يقع فيه في ما بين القضاة وممارسي مهنة المحاماة من خلط، بينها وبين بقية الأوضاع التي تشابهها، حيث إن الخصومة نصت عليها المادة (4) من قانون المرافعات المدنية النافذ، وبالتالي فإن المشرِّع قد قصر الخصومة على المدعى عليه، وفي الحقيقة أن المدعي يجب أن يكون خصماً للمدعى عليه أيضاً، ويكون المدعي خصماً إذا كان صاحب الحق المطالب به أو نائبه أو وكيلاً عنه أو قيماً عليه، ويجب أن يبيّن صفته، ويذكر اسم الأصيل الذي ينوب عنه، ويسمى هذا الشرط،{أي توافر الخصومة في المدعي (المصلحة الشخصية)}. 

وهنا يعتقد البعض أن شرط الصفة يمتزج مع الخصومة، بحيث يصعب التمييز بينهما، وهناك أيضا من خلط بين الصفة والمصلحة في الدعوى، ولذلك ذكر بعض الشرّاح إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يغني عن اشتراط الصفة، أو يعتبران شرطاً واحداً، لكن هذا الرأي يحتاج للمراجعة، فالصفة تتميز عن شرط المصلحة الشخصية، عندما يكون رافع الدعوى نائباً عن غيره، كما لو كان وكيلاً أو وصياً أو قيماً أو نحو ذلك، وكما لو كان رافع الدعوى محامياً أو ممثلاً عن الشركة، أو شخصاً معنوياً خاصاً أو عاماً، ففي هذه الأحوال تكون المصلحة الشخصية المباشرة منسوبة إلى الشخص الذي ترفع الدعوى باسمه وكالةً، وليس لمن يباشر الدعوى، وتكون الصفة منسوبة لشخص آخر هو الذي يقوم برفع الدعوى. 

والمحكمة المقامة أمامها الدعوى ملزمة بالتحقق من شروط الخصومة والصفة والمصلحة، فإذا لم يتوفر أحد هذه الشروط، فإن المحكمة ترد الدعوى، فإذا أقيمت من قبل محامٍ مثلاً، بصفته وكيلا عن المدعي، وبعد التدقيق من قبل المحكمة، تبيّن أن الوكالة كانت قد صدرت بعد إقامة الدعوى، أي أنه لم يكن وكيلا عن المدعي عندما أقيمت الدعوى، فإن المحكمة ترد الدعوى لإقامتها من غير صفة، ومما يؤخذ على المشرِّع العراقي اشتراط الخصومة في المدعى عليه حصرا (بموجب المادة 4: يشترط في المدعى عليه أن يكون خصما)، وبالتالي فإنه لم يأتِ على ذكر المدعي في ذلك، ولو أن التفسير العام يشترط في المدعي كذلك ان يكون خصما للمدعى عليه. 

غير أنه ينبغي التفرقة بين الصفة وسلطة الوكيل في الحضور عن الخصم، فإذا ما رفعت الدعوى من صاحب الصفة ثم حضر عنه محام بالجلسة أو وكيل من غير المحامين، وأثار الخصم اعتراضاً حول التوكيل، وأحقية الوكيل في الحضور بمقتضاه، فهذا النزاع لا يعتبر نزاعاً في الصفة، والدفع به لا يعتبر دفعاً بعدم القبول، إنما هو نزاع في سلطة الوكيل في الحضور عن الأصيل أمام المحكمة، كأن يعترض المدعى عليه أن المحامي الحاضر عن خصمه، لا يحمل توكيلا يخول له الحضور عنه.