عبد الغفار العطوي
في تاريخ الجمال يؤكد جورج فيغاريللو في تصنيفه لأدوار الجمال من عصر النهضة الأوربية، قيام مفهوم الفردانية كعلامة راسخة في تطور مفهوم الجمال، ومخاضاته في التذوق الفني والتجارب الجمالية التي تبلورت عن مفهوم الاستطيقا والقبح والبشاعة بعد ذلك، وصولاً إلى أيامنا في توازن مفهوم الجمال والجمال الفني، في كل تلك المفاهيم (الجمال والقبح والبشاعة) في إطار علم الجمال (الاستطيقا)، وحصل هذا في عدة دراسات لم تفلح في تعريف القبح الجمالي (الاستطيقي)، إذ ساد مفهوم جمالية القبح، وهو إحدى طروحات ما بعد الحداثة،
والمراد بالجمالي هو مفهوم الاستطيقا بصورته الشمولية حول مفهوم الجسد من جهة، ومفهوم فن التزيين باعتباره تمظهراً للقبح والبشاعة في الإطار الفني والمحتوى الأخلاقي من جهة ثانية، ويرجع ذلك إلى فلسفة الحب (الإيروس) التي سايرت وضع الفرد في تذوقه للجمال الفني منذ اليونان وروما القديمة، حتى صعود الطبقة البرجوازية في القرن التاسع عشر، متبنية العزاب والعاهرات، الذين سكنوا دائماً هوامش التاريخ ( لور كاتسارو) من خلال الإيمان بالفردانية التي عززتها أفكار هوبز في ( اللوياثان) وروسو في العقد الاجتماعي ( لويس دومون)، وفي ما يسمى مقتضيات الفردانية، بيد أن اقتران القبح والجمال الاستطيقي في الأدبيات التي تناولت مفاهيم الجميل والقبيح والبشع، والتفاوت بينها في التعريفات لدى بعض الفلاسفة والمفكرين الغربيين، من إفلاطون نزولاً حتى ما بعد الحداثة، هي التي جعلت من التجارب الجمالية للمتلقي وتعرف بأنها هي نتاج التواصل بين النتاج والمتلقي، وتؤدي بدورها إلى خلق حالة من المتعة الجمالية لدى المتلقي، وبين علم الجمال، قد نبهت إلى أن التعارض في الاستطيقا (جمال قبح بشاعة) كان تعارضاً في القيمة الفلسفية للجمالية، وبرزت الايروسية كأحد أساليب الحكم الفني على ذلك (فياتشيسلاف شستاكوف) في المقارنة بينها وبين القيم الأخلاقية، ليتوج الحب والجنس والعنف ثقافة القرن العشرين على إثر الثورة المعرفية التكنولوجية التي استطاعت تهديم منظومة القيم الروحية والأخلاقية التي ورثها من العالم القديم، لتصبح المرأة من أهم ركائز المفاضلة في معيار الموازنة في القيمة الجمالية في الاستطيقا بين الجمال والقبح والبشاعة.
ما تعريف المرأة البشعة؟ يمكننا تعريف البشاعة لدى المرأة من خلال ما قالته النسوية الأمريكية نعومي فولف في كتابها (أسطورة الجمال) 1990 من صياغتها لمصطلح أسطورة الجمال، بأن الضغوط التي تدفع المرأة إلى الانصياع لمثل جمالية يستحيل تحقيقها بسبب الضغوط التي يدعمها الإعلان ووسائل الإعلام، تعرقل المرأة الحديثة في سعيها نحو التقدم الاجتماعي والسياسي، وهو ما كانت تراه فولف في انشغال المرأة بالوصول إلى الجمال وكره الذات، فينجم عن الفشل في ذلك لجوؤها إلى الجراحة التجميلية واضطرابات التغذية، من هنا تبدو بشاعة المرأة، وتؤكد جوليا كريستيفا في هذا السياق، أن الذات الفردية يجب أن تؤكد على استقلالها، وترفض كل ما يهدد إحساسها بالذاتية الفردية المستقلة، لكي تتخذ موقعاً لها في النظام الرمزي، ما يجعل التقزز يشهد على السيطرة الجزئية لها، فتؤسس لحالة من التذوق الاستطيقي للبشاعة، بمعنى أنها تتذوق ذاتها كمرآة لفرديتها، فالمرأة البشعة هي التي تعشق (إيروسية) ذاتها، وتعني مفاتن الجسد والعواطف، وتمتاز في حركة العشق لديها بالتلذذ والتقزز معاً، لذا فهي تلعب دور اللعبة الفانشستية في أنماط متفردة في لا وعيها، باعتبار الصلة قائمة بين الذات المعبأة بالاستقلالية، واللاوعي المسترسل مع تيار العنف المنسجم مع النظام الرمزي، واندفاعها نحو وسائل البشاعة التي فرضتها حياة ما بعد الحداثة، ومن ضمنها مسابقات ملكات الجمال، وخطوط الأزياء والموضة، وتحرير المرأة بما يعني تسليعها وعولمة جسدها ، والربط المحكم العلائقي بين الجسد والزي، لدرجة ظهور مجتمع أطلق عليه مصطلح (الميل لكلا الجنسين)، ما سرع في وتيرة ابتكار المرأة لمفهوم (التشبه بالجنس الآخر)، وتبرز المرأة البشعة في مظهر اللعبة الفاشنستية التي ميزت مفهوم تسليع جسد المرأة المعولم.
ما اللعبة الفاشنستية؟ يبدو أن اهتمام ما بعد الحداثة بالجسد أظهر الفاشنستات كأحد مسوغات إبراز مفهوم (الجندرالحداثي والجندر ما بعد الحداثي)، وتسطيح ثنائية الجنس نحو الجنس الأحادي.
الفاشنستا: يمكننا أن نجد لهذه الكلمة العديد من المعاني والدلالات، ففي الإنجليزية تطلق على الشخص المتيم بالموضة، الذي لا يهتم بالماركات والعلامات التجارية العالمية، يبدأ تاريخ ظهورها في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتبدو الموضة صناعة وفنا في وقت واحد، والتساؤلات المختلفة التي تدور حول وجودها لم تسهم حتى الآن في نتيجة مقنعة عن كونها هي تحقيق المتعة، أو الرغبة في إخضاع المرأة، مهما يكن من وقوف النسوية ضد الموضة باعتبارها علامة بارزة في قمع المرأة، وعبرت سوزان فالودي في هذا المنظور أن الموضة هي ارتداد عن النسوية وصناعة تغير تكتيكاتها على نحو مستمر، لتجعل المرأة تظل دائماً مستهلكة مستأنسة، لكن حركة (البانك، أي الشعور بالتشرد، في سبعينيات القرن الماضي أثبتت تماسكها، وعدم التخلي عن الموضة والأزياء من خلال الاتجاه العاصف الانقلابي للمغنية (مادونا) التي أعادت توظيف الموضة والأزياء في حفلاتها الموسيقية الصاخبة الفاشنستية.
والمرأة تمر بدورة البشاعة في حالة انفلات مشاعرها من عقالها، ويظهر جيشان ثورتها في أجلى صوره الشعرية العنيفة المستبدة في هذا الموقف الذي أسميه (اللعبة الفاشنستية)، إذ تصل ذروتها في عقدة ( الميديا)، وهي مأخوذة من عنوان لمسرحية كتبها يوربيدس كمسرحية تراجيدية يونانية بعنوان (ميديا)، مستنداً فيها إلى أسطورة (ياسون وميديا) بالعنوان (ميديا)، ويبدو أن معنى العنوان يدل على المهارة في السحر ( فالميديا إذاً سحر ). تم إنتاج المسرحية 431 ق م وتعرضت للنقاش منذ ذاك الزمن، وتمثل صورة المرأة البشعة في قتل ولديها أمام زوجها (ياسون) لمجرد أنه هجرها لامرأة أخرى، فمفهوم (الميديا) قد تحول إلى عقدة المرأة المحبة لذاتها بشكل هستيري، فاللعبة الفاشنستية تضخم لدى المرأة الذات البشعة، لتصبح هي (سندريلا) تبحث عن فكرة اللامبالاة التي تؤهلها لنيل حلم زواجها بملك لم تكافح هي بأي مشقة للحصول عليه، إلا بسبب غباء غريماتها وحظها البشع. لقد أطلق الفيلسوف هيرش على هذه اللعبة ( لعبة الحذاء المفقود للرجل المناسبة) بمغالطة سندريلا، لأن تأويل الحكاية يجعلها تتجه إلى مفهوم اللعبة.