عبد الحليم الرهيمي
لأن الحرب، أي حرب، هي امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى، أو وسائل عنفيّة كما يقول المفكر الاستراتيجي البروسي (كارل فون كلاوفيتز)؛ لذلك فإن استمرار الحرب الاسرائيليّة على غزة وشعبها لا بد أن تتوقف، عاجلا أو آجلا، لتعود إلى أصل الموضوع وهو السياسة والتي تعني هنا البحث عن حلول وتسويات سياسية تتفاوض حولها الجهات المعنية، أي بين الممثلين الحقيقيين والشرعيين للشعب الفلسطيني وبين اسرائيل وبمشاركة وشهادة الجهات العربية والدولية المعنية بالصراع.
والاسباب الملحة التي تدعو لقول ذلك هي أولها إصرار القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية العنصرية للاستمرار بالحرب لما بعد الهدنة الانسانية والتي ستكون أقسى وأشد من حرب الـ 48 يوماً التي سبقت تلك الهدنة حتى ولو سقط فيها آلاف الضحايا من الفلسطينيين والقتلى من الجنود الاسرائيليين، وذلك بذريعة إعادة الهيبة لتلك القيادات عبر الانتقام القاسي والإجرامي من الشعب الفلسطيني عموماً ومن أهالي غزة بوجه خاص.
أما السبب الآخر والمهم جداً فهو السعي لإنهاء الوضع الإنساني المأساوي الراهن للحرب ولنتائجها الرهيبة حتى الان، ولتجنب ما سيتلوها، كاحتمال متوقع، لأن يكون الوضع أكثر سوءاً وأكثر مأساوية وترويعاً.
أما السبب المهم الثالث فهو تبديد احتمالات اتساع الحرب وامتداد رقعتها الأقليمية التي يأمل ويسعى جميع الاطراف لتجنب حصول ذلك.
ولهذه الاسباب وغيرها يتطلع الجانب الفلسطيني.. العربي بشكل خاص لوقف هذه الحرب وبذل الجهود والمساعي الجادة لبدء المفاوضات لايجاد التسوية السلمية الحقيقية والجادة لاعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتحقيق هدفه الوطني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل أرض الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الأمر الذي يعنيه حل الدولتين.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف وانقاذ أهالي غزة من المآسي الحالية والمتوقعة، بل وانقاذ الشعب الفلسطيني بأسره من هذه المآسي المروعة ينبغي تكثيف وتسريع الجهود والمساعي الفلسطينية والعربية وبالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية المعنية لبدء عملية التفاوض نحو الحل والتسوية الآن والحرب مستعرة وليس البدء بها في اليوم التالي لوقف الحرب!، وهذا يعني أن الجهود والمساعي المطلوبة هي اختصار الأيام وزمن الحرب التي يتعمد القادة الاسرائيليون إطالتها لتحقيق اهدافهم الخيالية لهذه الحرب وزيادة نزعة الانتقام الإجراميّة ضد الشعب الفلسطيني لا سيما جبهته الأماميّة في قطاع غزة.
إنّ الخطوة العملية الأولى اللازمة في هذا الاتجاه، هي عدم انتظار اليوم التالي بعد وقف الحرب، إنما مباشرة القيادة الفلسطينية الشرعية بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية الوطنية الأخرى للحوار والعمل مع المجموعة العربية المعنية أكثر، فضلاً عن الجامعة العربية، لتشكيل وفد مشترك يحمل رؤية ومحاور للتفاوض حول الحل والتسوية السلمية والقيام بحراك سياسي ودبلوماسي واسع النطاق مع الجهات الدولية المعنية وخاصة الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الاوربي، وذلك فضلاً عن زيارة الدول الاخرى التي أعلنت وتحمّست لحل الدولتين كـ روسيا والصين لإقناعها بالتنسيق مع كل الجهات المعنية لمناقشة المشروع الفلسطيني العربي للمفاوضات الشاملة بين هذه الجهات وممثلين عن اسرائيل، وعبر توفر القناعات المشتركة لكل هذه الجهات المعنية المذكورة القيام بعد ذلك بجدية وإخلاص من أجل وقف إطلاق النار والحرب وفرضه على اسرائيل وإسقاط ذرائعها واهدافها لاستمرار الحرب.. تلك هي الجهود والمساعي التي ينبغي أن تبذل منذ اليوم لإنقاذ غزة وأهلها من استمرار ويلات الحرب ومآسيها من دون انتظار القيام بذلك في اليوم التالي لوقف الحرب الذي تحدد اسرائيل تاريخه غير المعروف!.