نوزاد حسن
تابعت تفاصيل حياة غزة بعد أربعة أيام من هدنة توقفت فيها الحرب والقصف والدمار، راقبت من خلال شاشات بعض الفضائيات حياة الناس، الذين توجهوا إلى الأسواق الصغيرة بعد دخول شاحنات محملة بالمواد الغذائية، زحام شديد, وبنايات تهدمت، بحيث سدت بعض الشوارع. خراب كبير تعرضت له هذه المدينة الصغيرة. توقف الحرب أو الهدنة يعني الشيء الكبير بالنسبة إلى المدنيين. إنه بعبارة واحدة: توقف الموت اليومي الذي تعرضت له غزة منذ شهرين تقريبا.
أحد الاطفال بدا منفعلا بأجواء هذه الهدنة, ونساء عبرن عن أملهن في انتهاء هذه الحرب بانتصار وكرامة جديدة. ما يفكر فيه المجتمع الدولي هو امكانية تمديد الهدنة. وهناك وجهة نظر تتبنى اطلاق المزيد من الأسرى لدى حماس، مقابل أيام اخرى يتوقف فيها هذا الخراب الذي يتعرض له اهل غزة. هناك سخط دولي على قسوة الحرب, وما واجهه الغزّاويون من محنة، لفتت انتباه العالم اليهم. بعض الدول الغربية انتقدت أسلوب ادارة هذه الحرب، بحيث كانت البيوت والبنى التحتية هدفا للتخريب.
يشغلني واقع قد لا يراه الكثيرون، لكني أعرفه جيدا, واقع يتعلق بحلم الإنسان بشكل عام. فحين تشتعل الحرب, وتكون المدن مرمى لنيران ظالمة يختبئ الناس في زوايا وأماكن لن تحميهم من آلة الموت, لكن الأطفال والعجائز يحتمون ببراءة خلف أي شيء. لقد عشنا هذا الدور الدرامي لمواجهة الموت عبر حروبنا. لكن مساحة غزة, وطبيعة الحرب الاخيرة, وتخريب كل شيء, جعل الصورة تبدو أكثر قتامة ورعبا.
هي إذًا خرافة جديدة يواجهها أهل غزة بصبر, وخسائر مادية كبيرة. ثم تأتي الهدنة، لتجعل الحياة تعود إلى طبيعتها مع إمكانية تمديد وقت القضاء على خرافة الحرب بكل جحيمها الإجرامي. لكني لا أعجب من ظهور نتياهو في غزة. هذا استعراض تمثيلي ينطبق جيدا على ما صنعه العقاد في فيلم عمر المختار. فظهور غراتسياني في الفيلم، كان مصبوحا دائما بجثث القتلى, والدخان المتصاعد. ظهور غراتسياني بهذا الشكل هو رسالة لنوعية مزاج هذا المحتل لليبيا. إذًا هو مزاج مريض جسّده نتياهو أيضا حين زار غزة, والتقى بعض الجنود. تحاشى المصورون الذين رافقوا غراتسياني الجديد صور الخراب والدخان وركام البيوت.
بدات الزيارة عائلية وعادية ولا أثر لأي تخريب، لكن العالم شاهد كل شيء.