أوقفوا مهرجانات {التكريم} المذل

الصفحة الاخيرة 2023/12/06
...

زيد الحلي 



أيهما أهم، الماضي أم الحاضر؟ باغتني بهذا السؤال، أحد أنجال شخصيَّة عراقيَّة مهمة في مجال الإبداع، تمَّ (تكريم) أبيه ضمن مجموعة من المبدعين المتوفين، وقبل أنْ أجيبه، استمرَّ بالقول إنَّ أباه عانى كثيراً في حياته من الخذلان وعدم الاهتمام، وكان منسياً عندما كانت تدبُّ في جسده الحياة، ويومض في فكره العطاء، لم تصله كلمة شكر، ولا إطراء، ولا زيارة، ولا حتى جملة ثناء، بينما كانت الصحف والمجلات العربيَّة الرصينة، تتسابق لنشر إبداعاته، لذلك لا أظن أنَّ التكريم بعد الوفاة يعني شيئاً، فالإحساس بتكريم المبدع وهو حي، أجدى وأنفع، ويعدُّ نبراساً ودافعاً قوياً لمزيدٍ من الإنتاج والعطاء ليكون قدوة لغيره.

وأضاف نجل مبدعنا بنبرة يأس، أنَّ دعوته لحضور حفل تكريم أبيه المتوفى، تحولت من فرحٍ الى حزنٍ، فبدلاً من الحديث عن مسيرة أبيه وعطاءاته الإبداعيَّة طوال نصف قرنٍ أمام الحضور، اكتفوا بتسليمه (كارتونة) من المعروض في مكتبات سوق السراي عليها اسم أبيه!

أليس ما حدثنا به هذا الشبل، ما يشيب له الرأس. ألم يحن الوقت لوقف هذه (المسرحيات) التي تهين المبدعين، من خلال احتفالات (رنانة) ظاهرها شيءٌ، وهدفها شيءٌ آخر، فالرعاة لمثل هذه الفعاليات الهلاميَّة باتوا معروفين من خلال الإعلانات التي تملأ مكان ما يسمى بحفلات التكريم.

إنَّ تكريم المبدع وهو حيٌ يعدُّ مسلكاً حضارياً ووقفة نبلٍ ووفاءٍ راقية، وله آثارٌ معنويَّة تدفع المبدع إلى إعطاء المزيد من الإنتاج، وهو فعلٌ إنسانيٌ عميقُ الأثر، وإنَّ صاحب الإبداع المحسوس مجتمعياً، هو الذي يستحق التكريم دون سواه من الأدعياء الذين زادوا وتناموا، وكل همهم ومرامهم الحصول على "كارتونة" تقدير زائفة، ولقطة تلفزيونيَّة، ونشر في وسائل التواصل الاجتماعي. مع الأسف.

لقد آن الأوان لتبني ثقافة التكريم المسؤول، وعلى الجهات المختصة، مثل وزارة الثقافة والنقابات المعنيَّة، وضع لوائح وضوابط لرعاية الإبداع والمبدعين والمفكرين والمتميزين وهم أحياءٌ، وتهيئة الظروف والأمكنة المناسبة لتكريمهم، وتوسيع مظلة الاحتفاء بهم، بصورة مستمرة ومفرحة، بدلاً من الإذلال الذي نشاهده ونلتمسه حالياً.