باب المندب يَشِلُّ الذراع التجاريَّة للكيان

آراء 2023/12/07
...

  نازك بدير*

 

مع تصاعد وتيرة الحرب على غزّة واستمرار العدوّ في ارتكاب المجازر، أثبت محور المواجهة قدرته على تطوير استراتيجيّاته بما يتناسب وتبدّل المعطيات الميدانيّة والسياسيّة وتحوّلات الرأي العام العالمي. ثمة روابط أساسية بين ضلوعه الملتحمة مع بعضها التحامًا حقيقيًّا، كل ضلع فيه يشدّ الآخر نحو المركز الرئيس، منطلقا من الإيديولوجيا نفسها، ومن عقيدة مشتركة، سعيًا نحو تحقيق هدف واضح محدّد (تحرير فلسطين). 

في خضمّ استشراس الكيان، وإمعانه في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف أماكن إيواء النازحين في القطاع، نهض سيناريو آخر أربكه وسيُجبره على إعادة حساباته هو ومن آمن معه بأنّه سيُمنح فرصة ماسيَّة لتحقيق دور فاعل واستراتيجي في الخارطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، ويصبح مؤثرًا في السياسات الاقتصادية الإقليميّة والعالميّة، على أن يتم تهميش قناة السويس. أتت ضربات باب المندب الانزياحيَّة لتخلط الأوراق؛ استهدفت القوات المسلحة اليمنيّة سفناً تابعة لإسرائيل وحلفائها في البحر الأحمر، كبّلت تجارتهم، بيّنت عجزهم عن التّحكّم بدفّة القتال. وبذلك سقط «حلم قناة بن غوريون».

يمكن القول، تبعًا للإمكانات الموجودة عند اليمنيين، إنَّ إحدى الأمور التي تهدف إلى إبطال أهداف العدوان على غزة، هي إحداث انحراف عن الأبعاد العسكريَّة، وإدخال البُعد الاقتصادي التجاري. ويبدو أنَّ الجانب اليمني قادر على إحداث خلل في الميزان الاقتصاديّ للعدو نتيجة القدرة على السيطرة في البحر الأحمر، وفي إطلاق الصواريخ نحو إيلات. استطاعت صنعاء أن تكرّس نفسها قوّة أساسيّة في مواجهة العدوّ وأن تكبّده خسائر من نوع آخر ردًّا على تصعيد قوّات الاحتلال التي تحاول محاصرة الفلسطينيين، ودفعهم نحو معبر رفح، وتاليًا، الهجرة نحو سيناء، ليجد الجانب الإسرائيلي نفسه محاصرا، ومضطرا إلى إغلاق مطار بن غوريون جرّاء استهدافه من قبل المقاومة.

وتجدر الإشارة إلى أنّها هذه المرّة الأولى التي تتموضع إسرائيل على أنها مهدَّدة وجوديًّا، ما يدل على تعاظم الخطر الذي يهدّدها وجديّته، لا من داخل فلسطين فحسب، بل من الجبهات الخارجيّة أيضًا. وهي تدرك تمامًا إن استمرّت الأمور على هذا النحو، فرقعة المواجهات ستتوسّع، وستنبت مثلّثات ومربّعات جديدة تحاصر هذا الكيان،  وتخلخل بنيانه، و»تنكّل به» إلى أن يزول.


كاتبة لبنانيّة