توم وايمان
ترجمة: كريمة عبد النبي
استضافت القاعة الوطنية للفنون في العاصمة البريطانية لندن واحدة من أشهر لوحات عصر لوحات عصر النهضة التي أنجزها الرسام فرانسيسكو باسيلينو في القرن الخامس عشر ولم يسمع الكثيرون باسم هذا الرسام.
بعد أن كانت تلك اللوحة طَيّ النسيان ووفاة صاحبها قبل قرون، عادت للظهور في المعرض الجديد الذي تقيمه القاعة الوطنيّة للفنون في عاصمة المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن اللوحة غير مكتملة، إذ توفى الرسام قبل إكمالها وقام فنان آخر بإكمالها، إلا أنها تعد من أبرز لوحات عصر النهضة. وعلى الرغم من أن الرسام ليس معروفا للكثيرين في عصرنا هذا، إلا أن عرض اللوحة في المعرض الحالي يشير إلى براعة ريشة هذا الفنان وأسلوبه المتميز في الرسم الذي أثر في أساليب الكثير من الرّسامين الذين تبعوه. وقد لقب بـ "جورجوني فلورنسا" ليس بسبب تأثيره في فّن الذين تبعوه من الرسامين، بل بسبب إصابته بوباء وهو في قمة مجده حين كان في سن الخامسة والثلاثين.
وعلى العكس من أعمال الرسام جورجوني التي اشتهرت بأنها تعكس جوهر حالة الإنسان، اشتهر باسيلينو في بداية عمله برسم صور الحيوانات التي أبدع من خلالها بفن نال استحسان الكثيرين في ذلك الوقت.
ولم تكن لوحته التي تمثل أساقفة ذلك الوقت، والمعروضة حاليا في قاعة الفنون الوطنية مكتملة، لكن الرسام (فيليبو ليبي)، الذي كان مدرسا لباسيلينو في وقت من الأوقات، قام باكمال اللوحة بعد وفاة باسيلينو عام 1457. وعلى الرغم من أن أرملة باسيلينو أدعت وقتها أن اللوحة كانت مكتملة على الأغلب، إلا أن ورشة الرسام فيليبو أشارت إلى أن اللوحة لم تكتمل بمقدار النصف.
ويشير كاتب المقال إلى أنّه تحدث إلى مسؤولة المعرض في القاعة الوطنية للفنون جيل دانكرتون التي أبلغته بأن فحص اللوحة بالأشعة تحت الحمراء يشير إلى أن خطوط اسكيتشات اللوحة كانت مكتملة، حيث قام الرسام فيليبو باكمالها بفرشاته وألوانه التي تتناغم مع ألون باسيلينو، وهذا يشير إلى أنّ كلام كل من أرملة باسيلينو والرسام فيليبو كان صحيحا.
كان فيليبو أنسب فنان لأكمال عمل باسيلينو، إذ عمل الأخير في ورشة الأول منذ بداية حياته الفنية. وتعاون الإثنان معا في تلك الورشة الفنية لفترة من الزمن. بعد ذلك غادر باسيلينو ورشة العمل تلك، وفضل العمل بمفرده، وكان هذا سببا وراء عمله في هذا المجال بصورة
بطيئة. خلال حديثها مع كاتب المقال، قالت مسؤولة المعرض: "كان باسيلينو رساما منطقيا متميزا في عهده وإذا ما نظرت إلى اللوحة بتمعن ستجد مساحات تشير إلى اللامنطقية، ومساحات أخرى لا تشير إلى الدقة التي كان باسيلينو يعتمدها عبر رسم لوحاته، وهذا يشير إلى أنّ فيليبو أكمل بعض اسكيتشات اللوحة التي كان باسيلينو قد وضعها، ولم يتمكن من إكمالها. ويبدو ذلك واضحا من خلال الصليب الذي ظهرت عليه يد السيد المسيح بتفاصيل مكتملة، لكنه؛ أي (فيليبو)؛ لم يراع مظهر الصليب، وهذا يشير إلى أن فيليبو هو من أكمل رسم الصليب في لوحة "مذبح الثالوث".
وحسب دانكرتون فإن فيليبو كان أقل منطقية بكثير عن ما كان عليه باسيلينو، لكنه كان رساما رائعا وظهر ذلك من خلال إكماله للوحة باسيلينو التي تعد شاهدا على العلاقة بين الأستاذ والتلميذ التي ساهمت في تشكيل نوع الفنّ الفلورنسي في تلك الفترة. وأضافت دانكرتون أن لوحة "مذبح الثالوث" تمثل عملا رائعا، متميزا، تاريخيا، مؤثرا ومليئا بالعناصر التي أثرت بالرسامين الذين جاؤوا من بعده لأنها تعود إلى لحظة محددة في تاريخ الفن الفلورنسي.
يمكن أن نستخلص الدرس التالي من الأعمال التي لم تكتمل عند وفاة أصحابها؛ وهو: إن مدارس الفن تشير إلى فكرتين، أو درسين على الأقل يمكن استخلاصهما من الأعمال غير المكتملة حينما يتم إتخاذ القرار بعرضها. الأول هو إن الأعمال غير المكتملة يجب عرضها في المعارض كما هي، وعلى الحالة التي تركها عليها رساموها الأصليون.
أما الرأي الثاني فيقول إن اللوحات غير المكتملة عند وفاة رساميها، يجب أن تعرض بعد إكمالها من قبل رسامين آخرين بطريقة تنطبق مع نوايا وأفكار صاحبها الأصلي.
ولا ينطبق ذلك على اللوحات الفنية فقط، بل على أي عمل فني أدبي، أو غير ذلك من الأعمال الفنية الأخرى. وعلى سبيل المثال ينطبق الرأي الأول أعلاه على روايات الأديب كافكا غير المكتملة التي قامت دور النشر بنشرها، وكذلك رواية غير مكتملة للكاتب غابريل غارسيا التي سيتم نشرها خلال العام المقبل، إذ توفى الكاتب في العام 2014 على الرغم من أن رغبته كانت بأن لا ترى روايته هذه النور، وسيتم نشر الرواية تحت عنوان "الرواية المفقودة".
أما الرأي الثاني فينطبق على السيمفونية العاشرة للموسيقار الكبير بيتهوفن التي قام بتجميعها باري كوبر، وهو أحد طلاب بيتهوفن بعد أن قام بدراسة السكيتشات التي كان بيتهوفن قد وضعها قبل وفاته. كذلك الحال مع أحدى روايات جين أوستن.
قد تحافظ بعض الأعمال الفنية غير المكتملة على جاذبيتها وجمالها، ومثال على ذلك: بورتريه "الضابط العسكري النمساوي" التي يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر، ولوحة "إعدام الامبراطور ماكسميلان" للرسام مانية، وهي معروضة حاليا في القاعة الوطنية للفنون.
عن صحيفة ديلي تلغراف البريطانية