محمد حسين الرفاعي
(1)
إنَّها لحظة جديدة، في السَّبيل نحو عالَمٍ جديد؛ وقد سقطَ كل شيء. هي لا تتطلَّب تبريرَ أي شيء، ولا إقناع أي جهة، مهما كانت، بأي حق من الحقوق. إنَّ هي إنَّما ليست إلاَّ لحظة غضب؛ غضب محض. بعد أن فشلت كل السياسات، والمفاوضات مع أعداء الإنسانيَّة، والبشرية بأسرها. إنَّ معنى الإنسانيَّة قد أخذ بالاِنهيار شيئًا فشيئًا نحو أفق فهم جديد. ولكن بأية معانٍ يمكن أن نتوقف عنده؟
(2)
إنَّ العالَمَ في طور من التشكُّل على صورة جديدة كليًا؛ في الثقافة والاِقتصاد والسياسة. صورةٌ لا تتوفَّر على إمكان أن تتضمَّنُ أي نوع من الخنوع والخضوع؛ أيُّ خانع وخاضع هو في الحقيقة معدوم حتَّى قَبلَ أن يفكر بأن يكون. أمَّا أولئك الذين، بحساباتهم الخاطئة، ظنوُّا أنهم بواسطة الدخول في تطبيع العلاقات يمكن أن يجدوا لأنفسهم مأوىً في خراب العالَم هذا، فإنما هم يهينون تاريخ ذات أنفسنا العميقة؛ أي كرامتنا وهويتنا ووجودنا وكينونتنا.
(3)
تخطأ الجهات، بخاصَّةٍ تلك التي أخذت من القضية الفلسطينية، منذ سنوات، أساسًا لعملها، إذا تعاملت مع اللَّحظة على نحو مَصلحي محض (سياسي براغماتي)، أو بجملة حسابات تعتبر مقارنة بما وصلنا إليه حساباتٍ قديمة. بعبارة بسيطة هذه اللَّحظة القاسية، حدَّاً يتجاوز الطاقة الإنسانيَّة، سوف تكشف كل من كان يُتجار، أو يريد أن يبقى يتاجر بالقضايا الكُبرى للأمَّة، أو الملة أو المجتمع أو الشعب أو الجماعة أو النحن
بعامَّةٍ.
(4)
الآن، وبالضبط الآن هو الوقت المناسب للدفع بالأمور إلى أقصى درجات إمكانها؛ بواسطة أفعال سريعة صريحة بعيدة عن اللف والدوران، بعيدة عن التفكير الزائد بها. إنَّها لحظة الفعل والأفعال الكُبرى. لأنَّ ذلك يرتبط بكينونة مجتمعات عربيَّة وإسلامية، في تاريخها وأصلها وهُويَّتِها الوجوديَّة.
(5)
إنَّ هذه اللَّحظة هي إنَّما حسمٌ صريح؛ لحظة مُفجعة قادرة على أن تحطم وجودنا (نحن العر ب أو الذين لازالوا ليس لديهم حرج للتكلم باللغة العربيَّة) بالكامل، هي لحظة متمكِّنة من أن تفرِّق الأمور عن بعضها البعض، وتحددها مرة أخرى. بوصفنا كائنات عالَميَّة وتريد أن تكون في العالَم، ومن جهة أننا وجدنا العالَم وقد صار يمارس كل أفعاله الشنيعة والمتوحشة والبربرية علينا؛ فإننا أمام لحظتنا الوجودية في المعنى التاريخي العميق للكلمة. بعدَ فشل كل المفاوضات والمحادثات والقمم التي سوف تبقى عبارة عن عار يلاحق المجتمع الدولي، والقوانين الدولية. ولو إنَّ السُّلط البشرية أصبحت تعبر عن نفسها بوصفها لا- شيئًا أمام التطهير العرقي لشعب بأكمله.
(6)
لا شكَّ في أن العالَم الذي نعرفه بحاجة ماسة لنظام عالَمي جديد، ولمراجعة جذرية لكل المفاهيم التي تكوَّنت بعد الحرب العالَميَّة الثَّانية. أما بالنسبة للمثقف «الكيوت» المتمسك بمفاهيم حقوق الإنسان والعدالة والمساواة وهذه التخاريف، فعليه أن يعيد النظر بكل هذه الخزعبلات؛ أو بإنسانيته. وعليه، اليوم، على السياسيِّ، أي ذاك البراغماتي اليوميّ، أن يصمت، وأن يترك المجال لما هو أصدق إنباءً من القِمم.