أحمد عبد الحسين
أمس مرّتْ الذكرى السادسة ليوم النصر العراقيّ على أعتى هجمة ظلامية هددت العراق أرضاً ودولة وشعباً وهوية، فظهور عصابات الإرهاب الداعشيّ وتمكّنها من بسط ظلها القاتم على محافظات عدّة، ثمّ ارتكابها أفدح الجرائم الوحشية في الموصل وسبايكر والصقلاوية وسواها من المناطق، وتنكيلها بكل من يخالف نهجها المنحرف، كان يشكّل بمجموعه أقسى امتحان تعرضت له الدولة العراقية منذ تأسيسها،. ومعها وبعون من التهويل الإعلاميّ الغربيّ ـ الأميركي تحديداً ـ أصبح لهذه العصابات القدرة على إيهام الجميع بأنّ سقوط العراق كلّه بيدها أصبح وشيكاً وأنّ إعلان دولة الخرافة في قلب الشرق الأوسط بات مسألة وقت لا أكثر.
وبغض النظر عن الحقائق التي بات يدركها الأعمّ الأغلب من الناس والتي تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن تلكم العصابات كانت في الجزء الأكبر منها صنيعة مخابرات دولية معروفة، وبالتغاضي عن المدد الذي كان يترى عليها سلاحاً وأموالاً وغطاء إعلامياً، فإنّ الدرس المستخلص من هذا الاختبار الأقسى يتمثل في ضرورة التنبّه إلى أنّ قوى الظلام هذه تسرّبتْ إلينا وعششت وفرختْ بفضل الانقسام المجتمعيّ الذي هو رجع صدى لانقسام الساسة، وهو انقسام بلغ أوجه قبيل ظهور أصحاب الراية المظلمة.
وُضعَ العراق أبان حقبة داعش في موقف وجد نفسه فيه رأس حربة في معركة بين الهمجية والتحضر، وكان بالفعل يقاتل نيابة عن كل البشر الذين لا يريدون للعالم أن يرتكس إلى العصور التي لا يكاد يبين فيها الخط الفاصل بين الإنسان والوحش.
في يوم النصر يقف العراق بتاريخه وشعبه وحضارته ليحيّي الدم الزكيّ الذي حفظه والأرواح السامية التي منعت وصول الظلاميين إلى قلبه. نستذكر بطولات الحشد الشعبيّ الذي انبثق من طين العراق وعمق تاريخه ليصطفّ أسطورة كبيرة في سجلّ أساطير العراق الخالدة، كما نستذكر بطولات الجيش والشرطة وسائر صنوف قواتنا الأمنية الباسلة.
التحية الأكبر لنساء العراق اللواتي قدّمن ثمرات أرحامهنّ دفاعاً عن وطننا الذي خرج من تلك المحنة أصلب عوداً وأكثر ثقة وإيماناً بتاريخه وقدرته على الصمود في وجه الرياح المظلمة العاتية.
يوم النصر مناسبة للاحتفال ببطولات أبنائنا، لكنه مناسبة لإعادة التذكير بأنّ الثغرات التي تفتحها خلافاتنا هي المنافذ التي تهبّ منها العواصف التي تهدد الجميع.