ا.د. عامر صباح المرزوك
سيئ هذا الانتظار الذي تجد فيه نفسك فجأة، تنتظر هكذا وبلا جدوى، حتى تفقد الرغبة فيما تنتظره، هذا الانتظار الذي كلما فكرت في نهايته يتمدد ولا ينتهي (هاجد محمد).
قُدمت مسرحيَّة (جربوع) ضمن مهرجان المسرح العراقيّ التربوي العاشر في مدينة السليمانيَّة التي تقيمه المديرية العامة للنشاط المدرسيّ والرياضيّ في وزارة التربية، والمسرحيَّة من تأليف عبد الكريم العامري وإخراج يوسف صلاح الدين، وتمثيل يوسف الحجاج ويوسف صلاح الدين وجبار قاسم لفتة وآخرين، وإنتاج المديرية العامة لتربية البصرة.
عالج الكاتب عبد الكريم العامري ثيمة الانتظار، وهذه الثيمة قد تم تناولها في العديد من التجارب المسرحيَّة العالمية والعربيّة والعراقيَّة وفق مستويات دراميّة مختلفة، فبعد ما كان الشخص المنتظر يأتي في المسرح الكلاسيكي، ومن ثم تطور الاشتغال الدراميّ إلى أن أصبح الشخص المنتظر يأتي بهيئة أخرى وبملامح أخرى، وصولاً إلى العبث الذي جعل من الشخص المنتظر لا يأتي حتى نهاية الحدث الدراميّ، إلا أن العامري دخل من زاوية مختلفة، وأسلوب كوميدي ساخر من خلال طبيب يعالج المرضى لكنه لم يأت حتى آخر المسرحيّة، ليقول إن المعالج لم يأت وسنبقى مرضى، رابطاً هذا الانتظار بمجموعة من القضايا السياسيَّة والاجتماعيّة لا سيما موضوع الزيف في الثقافة والسياسية، وأن يكون هذا المثقف المزيف في واجهة البلد، وهو من يدير الدفة، رغم عدم مقدرته وامتلاكه أي مؤهل يؤله لتلك المهمة، وقد أعطاه صفحة (جربوع)، كما تميز النص المسرحي بلغته الرشيقة المتداولة، واختيار المفردات القريبة للغة الدارجة كون الموضوع المتناول يتطلب ذلك. غير المخرج يوسف صلاح الدين الكثير من ثيمة النص، وأضاف الكثير من عندياته، وأعاد تريب الأفكار وفق رؤيته الإخراجية التي لجأ فيها إلى مسرح العبث في البناء والأفكار والاشتغال، مما جعل المسرحيَّة تنتهي بذات المشهد الذي بدأت منه، وكأنه يقول إن كل ما نفعله بلا جدوى، وها قد عدنا من حيث بدأنا.
وظف المخرج خشبة المسرح بحسب رؤاه الإخراجية، فوضع قطعة قماش كبيرة خلف الخشبة ليقلل من عمق المسرح ويستفيد من المساحة التي يحتاجها، موزعاً القطع الديكورية بشكلٍ متوازنٍ، و(ستاند ملابس) فيه مجموعة من الملابس التي تم توظيفها بشكل فني متقن طيلة مشاهد المسرحيّة، حيث تم استخدام الملابس بحسب المشهد والدور بشكل انسيابي، وحبال معلقة من الأعلى وأخرى متحركة على ستاند، تم توظيفها لتعطي أكثر من دلالة (الجلد، مايك، بوابة خروج ودخول .. إلخ)، ومكعبات خشبية صغيرة، وكرسي معلق وكأنه مرجوحة يرمز لكرسي السلطة المهزوز، أن كل هذه المفردات شكلت سينوغرافيا متكاملة، تعامل معها الممثلون بشكل فني محكم ومنضبط.
كما تميزت الموسيقى الحيّة التي أداها (فاضل ظاهر قاسم وقاسم عبد الكريم) بمواكبة للأحداث الدرامية، وأعطت جماليّة وروحيّة للعرض المسرحي، كونها ألفت خصيصاً لهذا العرض، ولتناغمها مع الإضاءة التي نفذها الفنان (نور محمد تقي) بشكل متقن في اختياره الأجواء التي أعطت دلالات واضحة للعمل، وخلقت جواً مسرحياً يمتاز بالتنوع والدهشة.
أما الأداء التمثيلي فقد اجتهد فيه الممثلان (يوسف صلاح الدين ويوسف الحجاج) في أدواتهم الصوتية والجسديّة ومرونتهم، وإعطاء الدور المسرحيّ حقه، وفهم أبعاد كل شخصية وما تطلبه من جهد وإخلاص، وخاصة الممثل يوسف صلاح الدين الذي عرف بخفة دمه، وحضوره الملفت للنظر على خشبة المسرح. إن فريق مسرحيَّة (جربوع) امتاز بانتمائه الحقيقي للمسرح، ذلك الفن الذي يقدم رسالة إنسانيَّة توعويّة إرشادية، فتحية لكادر العرض المسرحيّ، وألف تحية إلى مدينة البصرة التي زخرت بالعديد من الأسماء المسرحيَّة الكبيرة التي مثلت العراق في المحافل الإبداعيّة
الدوليّة.