فرنسا وإكراهات الهجرة

قضايا عربية ودولية 2023/12/14
...

علي حسن الفواز



يبدو أنَّ الصراع المقبل في مجتمعات السياسة الغربية سيكون انثربولوجياً، على مستوى إبراز قضايا الهوية واللغة والقيم، وعلى مستوى وضع توصيفات خاصة قبول الآخر اللاجئ أو المهاجر إلى دول الغرب، ولعل ماحدث في الجمعية الوطنية الفرنسية قبل أيام يؤكد المخفي في معطيات هذا الصراع، فرفض مشروع قانون الهجرة الذي قدمته الحكومة إلى الجمعية الوطنية، كشف عن تقاطعٍ سياسي وثقافي بين الأحزاب ذات المرجعيات اليمينية المحافظة، وبين أحزاب اليسار من اشتراكيين وشيوعيين ومن أنصار البيئة، الذين وجدوا في هذا المشروع «التعسفي» نوعاً من القطيعة مع تاريخ فرنسا المدني والتنويري والكوزموبوليتي، مثلما دافع عنه مُشرّعوه بوصفه قانوناً صيانياً لـ»الهوية الأوروبية» و»الهوية الفرنسية» وهو ما يعني نقل الصراع من الاطار القانوني إلى الإطار الايديولوجي، والذي سيقود الى ممارسات تكتسب طابعاً أمنياً واكراهياً، وإلى تداعيات يمكن أن تنعكس على قيم التعايش المدني، وعلى نظم التعليم وفرص العمل، وشيوع مظاهر العنف والتطرف والكراهية، لاسيما بين أوساط المهاجرين واللاجئين، وحتى بين أوساط «الفرنسيين» من أصول المستعمرات الفرنسية القديمة.

خيبة أمل «الحكومة الفرنسية» وفشلها في تمرير مشروع هذا القانون تحوّل إلى مشكلة واقعية، كشفت عن طبيعة الأزمة السياسية والتشريعية للحكومة، وعن طبيعة التحالفات السياسية الصعبة، والتي ستستدعي استقطابات جديدة تمهيداً للانتخابات المقبلة، لاسيما وأن تبريرات وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان المعروف بكراهيته لـ»الأجانب» لم تُغيّر من واقع الأمر شيئاً، ولم تدفع أحزاب المعارضة الى القبول بالدوافع والحجج التي وصفها البعض بإنها غير إنسانية، وغير إخلاقية، حيث عدّت مسؤولة مجموعة البيئة سيريل شاتلان رفض البرلمان لهذا المشروع بإنه انتصار لذاكرة فرنسا المدنية، ولأولئك الذين اختاروا المجيء وعيش الحياة فيها، فضلاً عن قيام بعضٍ آخر بربط هذا «المشروع» بالكراهية، وبمحاولة قوننة القسوة في إدارة السياسة

 والتعايش.

هذا القانون وغيره سيظلان جزءاً من هواجس أحزاب اليمين، مثلما سيتحولان الى عناصر ضغط في السياسة التشريعية الفرنسية، ومحطّ تقاطع بين أحزاب اليمين واليسار، وهو ما دفع مارين لوبين رئيسة حزب التجمع الوطني اليميني المعارض الى المساومة، والدعوة إلى البحث عن خيارات أخرى، تهدف الى وضع قواعد أخرى لقوانين الهجرة، والى وضع شروط وقيود  يمكن أن تحدّ من موجات تدفق المزيد من اللاجئين والمهاجرين 

إلى فرنسا.