علي حسن الفواز
يواصل الكيان الصهيوني رهاناته على العدوان المفتوح، وعلى سياسات القتل الممنهج، ضارباً عرض الحائط كلَّ الدعوات الدوليَّة لوقف إطلاق النار، وعلى نحوٍ يجعل من هذا العدوان وكأنه استهداف لجهةٍ ما، لكنه في الواقع يستهدف الشعب الفلسطيني، ويمارس ضده أبشع حربٍ عنصرية واستئصالية، وباتجاه فرض واقعٍ سياسي وأمني يتجاوز المواثيق والاتفاقات الدولية، إذ تتغول معه كلّ الممارسات العدوانية التي تفرض توحشها عبر خطط تتجاوز حدود الأرض إلى شرعنة وجود «الدولة العنصرية» و»العقل العنصري».
أهداف العدوان باتت معروفة ومكشوفة، ولها من يدعمها، ويساندها، ولعلَّ تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال زيارته الأخيرة إلى الكيان الصهيوني تؤكّد هذا التوجّه، فرغم ما قيل عن فشل هذه الزيارة، إلّا أنَّ واقع الأمر يُشير إلى أنها تأتي في سياق الدعم المُضلِّل للعدوان، على مستوى رفض تحديد زمني لوقف إطلاق النار، وهذا ما طرحه سابقاً الرئيس الأميركي جو بايدن، وعلى مستوى التعاطي مع القضية الفلسطينية، وجعلها قضية أمنية وصراعاً داخلياً وليست قضية شعب يواجه سياسة المحو والعزل والقتل.
خصخصة العدوان هو وجه آخر للعدوان، لأنَّ هذه الممارسة تدخل في إطار حرب التصفيات، وعزل الوجود الفلسطيني عن تاريخيته، وعن أشكال مقاومته للاحتلال، فما يهدف إليه هذا العدوان، وبكل وجوهه يتكرَّس عبر تخليق واقع استيطاني يقوم على صناعة جغرافيا مأزومة، وعلى عنف متواصل وعزل متواصل وحرمان متواصل، فضلاً عن تخليق واقع دولي تعززه سياسات الولايات المتحدة وبعض دول الغرب لكي يُخرجوا القضية الفلسطينية من التاريخ، ليضعوها في إطار الصراعات العامة، وما يرافقها من سياسات تُخضعها الهيمنة الأميركية على مجلس الأمن، وعلى الاقتصاد العالمي إلى نوع من «البرغماتية» التي تتوه معها الحقائق، والحقوق، وباتجاه يجعل مما يسمى بالضغط الأميركي محض تلويحات لذر الرماد بالعيون، وربما لإيجاد واقع أمني/ عسكري في المنطقة، وفي جزءٍ من فلسطين يقود إلى فرض معالجات أمنية/ عسكرية على الشعب الفلسطيني، وعلى المنطقة العربية، رغم أنَّ معطيات ما جرى تؤشر تحولات كبرى، لاسيما في التأكيد على أهمية القضية الفلسطينية، وعلى حضورها في المحافل والمواقف الدولية، وفي استقطابات الرأي العام، وهو ما جعل الولايات المتحدة تدفع إلى سياسة الزيارات المكوكية لكي تُغطّي على حرجها، ولكي تضع تصريحات مسؤوليها في سياق موارب ومُضلِّل، يقلُّ فيه
الوضوح، ويكثر فيه الغموض.