ساره لي وتسون
ترجمة: أنيس الصفار
عند أول توقيع الإمارات العربية المتحدة على اتفاقات ابراهام في العام 2020 - لتطبيع العلاقات مع إسرائيل- أشاد حكامها بالاتفاق باعتباره سبيلاً لتشجيع اسرائيل واجتذابها الى فكرة اتخاذ خطوات إيجابية باتجاه إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وضمها. وعلى غرار ذلك حذت البحرين والسودان والمغرب.
بيد أنَّ الافتراض الأساسي الذي قامت عليه الاتفاقات كان اثبات أنَّ القضية الفلسطينية لم تعد حائلاً دون إقامة إسرائيل علاقات مع دول المنطقة بعد ان اسقطت الدول العربية مطلبها بإقامة دولة فلسطينية كشرط لتطبيع العلاقات مع اسرائيل. هذا التحالف حمل معه الى المنطقة وعداً باستتباب الأمن الإقليمي من خلال إقامة تحالفات مع أنظمة حكم إقليمية، رغم كونه يسمح لإسرائيل بالتجاوز على حقوق ستة ملايين فلسطيني يعيشون كل يوم من أيامهم تحت ظل الوحشية والاحتلال العسكري ونظام الفصل العنصري. يومها توقع كثيرون أن يؤول ذلك كله الى الفشل وقد أثبت هجوم حماس الصاعق في يوم 7 تشرين الأول الماضي، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص في اسرائيل، صواب هذه النظرة.
لكن بدلاً من كبح عنان الانتهاكات الاسرائيلية مضت الاتفاقات في طريقها مشجعة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على التمادي في تجاهل حقوق الفلسطينيين. ففي السنة الأولى بعد توقيع الاتفاقات تصاعد عنف المستوطنين تصاعداً دراماتيكياً في الضفة الغربية، وبعد انتخاب الحكومة الاسرائيلية الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل في العام 2022 دعا مجلس الوزراء بلا مواربة إلى ضم الضفة الغربية كما أعلن عن توسيع المستوطنات توسيعاً شاملاً. وخلال العام الذي افضى الى أحداث 7 تشرين الأول كانت القوات الاسرائيلية قد قتلت بالفعل ما يقارب 200 فلسطيني في الضفة الغربية. ومنذ هجوم حماس انطلقت إسرائيل تمطر غزة بالخراب والدمار متسببة بقتل أكثر من 17 ألف شخص 70٪ منهم نساء وأطفال بينما ترامت الى الأسماع خطط تعيد ما صرح به وزير المخابرات الاسرائيلي حول إجبار أهالي غزة على النزوح قسراً الى مصر والضغط على الحكومة المصرية كي توفر سكناً دائماً لهم مع منحهم تصاريح إقامة في سيناء. عشرات من الباحثين والاكاديميين وصفوا حملة إسرائيل هذه بأنها إبادة جماعية.
لنقلها بصراحة: إنَّ استمرار تمسك العرب بالاتفاقات يعطي إسرائيل إشارة باستمرار الدعم لها ومكافأتها بمواصلة التنمية في الجوانب العسكرية والاقتصادية والتجارية التي كانت هي الهدف الأساسي على طول الخط. لهذا السبب وجهت مجموعة "الديمقراطية للعالم العربي الآن"، وهي مجموعة للدفاع عن الحقوق أسسها جمال خاشقجي، الى دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان دعوة علنية بالانسحاب فوراً من الاتفاقات كما طالبت مصر والأردن الموقعتين على معاهدات سلام بإنهاء كل أشكال التنسيق العسكري مع إسرائيل.
أما البحرين فقد بدأت تتحرك رويداً رويداً بهذا الاتجاه حيث أعلن برلمانها انه بصدد قطع كافة العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بعد طرد السفير الاسرائيلي. كذلك ينبغي على الدول العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية، وهذا الوصف يشمل الأردن والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، ان تعلن بصراحة أنها لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام تلك القواعد لتزويد القوات الاسرائيلية بالأسلحة أو تأمين الحماية لها خلال حربها المستمرة في غزة وإلا جازفت بأن تعدّ شريكاً متواطئاً فيما يدور من أحداث.
أشادت ادارة ترامب ومن بعدها ادارة بايدن بالاتفاقات واعتبرتاها مسعى مهماً لتوسيع دائرة السلام في الشرق الأوسط، بل انهما ذهبتا الى حد التودد للدول العربية الموقعة وتملقها بباقة من العطايا المغرية لاقناعها بإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، ومن بين تلك العطايا بيع دولة الإمارات العربية الصغيرة 50 طائرة مقاتلة من طراز "أف 35" كانت راغبة فيها بشدة، والاعتراف بضم المغرب للصحراء الغربية، ما يجعل الولايات المتحدة أول دولة في العالم تفعل ذلك، ورفع السودان من قائمة الدول المصنفة ضمن الدول الإرهابية واقراضه مبلغ 1,5 مليار دولار. تركز اتفاقات ابراهام على المصالح الستراتيجية لكل دولة من الدول، خصوصاً بناء تحالف إقليمي أقل اعتماداً على واشنطن.
بالنسبة لإسرائيل لم توسع الاتفاقات العلاقات الاسرائيلية التجارية والدبلوماسية فقط مع الدول العربية الموقعة (لاسيما دولتي الإمارات العربية والبحرين النفطيتين الغنيتين) بل شملت التنسيق العسكري والاستخباري ايضاً. وفي العام 2021 نقلت الولايات المتحدة إسرائيل من قيادتها المركزية الأوروبية الى قيادتها المركزية في منطقة الشرق الأوسط بهدف تسهيل وتعميق مجالات التعاون العسكري والعملياتي المباشر بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهذا التعاون يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية وشبكات الدفاع الجوي الإقليمي، التي أطلق عليها اسم "تحالف الشرق الأوسط للدفاع الجوي ". بذا صارت أسراب طائرات "أف 35" الإسرائيلية ونظيراتها الأميركية تطير انطلاقاً من قاعدة الظفرة الجوية في دولة الإمارات لإجراء عدة تمارين جوية مشتركة اطلق عليها اسم "البرق الدائم". وفي العام 2021 أجرت دولة الإمارات العربية والبحرين وإسرائيل والقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية تدريبات ركّزت على عمليات الأمن البحري في البحر الأحمر، في حين وسّع صانعو السلاح الاسرائيليون أعمالهم مع الدول العربية توسعاً ملحوظاً، وفي العام 2022 بلغت صادرات اسرائيل من المعدات الدفاعية الى دولتي الإمارات العربية والبحرين وحدهما رقماً قياسياً يساوي 12,6 مليار دولار.
كل هذا يجب ان ينتهي. لقد وفّرت الهدنة بين اسرائيل وحماس في أواخر الشهر الماضي متنفساً كان مليونا إنسان من أهالي غزة في أمس الحاجة إليه بعد طول تعرّض للقصف المكثف والتهجير الجماعي. وقف اطلاق النار المؤقت هذا انقطع فجأة ذات يوم وعادت الغارات الجوية الاسرائيلية لتصب الموت والهلاك، لكن اذا ما ألفت اسرائيل نفسها تواجه احتمال فقدان بنيتها الأمنية الإقليمية فربما ستصغي الى المطالبات المتزايدة بما غدا مطلباً تشتد الحاجة اليه.. وهو وقف إطلاق نار دائم.
• عن مجلة "تايم"