علي فائز
إنَّ الظروف السيئة للأفراد والجماعات، لا تكفي لوحدها لتوليد الشعور بالحرمان، بل يجب أن يتوفر «الوعي بالتباين» فما يولد الاحتجاج والرفض هو الاستياء الذهني، والتناقض الذي يأتي عند عقد المقارنات بين أوضاع الفرد وبين أوضاع الآخرين، وبناء عليه فقد كتب كارل ماركس (karl marx): “مهما كان البيت صغيرًا أو كبيرًا فإنه يحقق المتطلبات الاجتماعيَّة لدار السكن؛ ما دامت البيوت المجاورة، مساوية له في الحجم، ولكن ما أن يشيد قصرًا إلى جواره، حتى يتقلص من بيت إلى كوخ.”
ومن هنا يمكننا أن ندرك أن الناس لا يحتجون ويتمردون على أوضاعهم بتأثير المعنى المطلق للحرمان، بل لأنهم يشعرون بالحرمان نسبة إلى مقايسات يجرونها مع أوضاع أفراد أو جماعات أخرى.
لذلك كانت الرؤية الماركسية، تعرف الحركة الاجتماعيَّة على إنها: “التحرك الجماهيري الذي ينشأ نتيجة للصراع الطبقي، وهي الفعل الذي يعني تحرّك الجماهير تجاه تغيير الأوضاع القائمة، ولا بد من أن يكون للحركة طليعة مؤمنة بهذا التغيير.
والجوهري أن نعرف بأن الحركة الاجتماعيَّة ليست التعبير عن تناقض ما، بل هي تفجر صراعًا.
إنها سلوك جماعي موجه إلى موضوع الصراعات الطبقية التي تمثلها منظومة العمل التاريخي، لا إلى قيم التنظيم الاجتماعي أو إلى المشاركة بمنظومة تقرير مصير المجتمع.
في العراق وخلال ما شهده من احتجاجات شعبية منذ 2010 وصولًا إلى 2020 نشأ عند الشعب نتيجة لأثر الاحتجاجات ما يعرف بوعي التباين وثقافة المسائلة وتعزيز سلطة رقابة شعبية، فصار الشباب يقارنون بين أوضاعهم وأضاع أبناء المسؤولين وقادة الأحزاب والقوى السياسية أو وبينهم وبين شباب العالم، الأمر الذي ولد لديهم نزعة احتجاجية لا تنطفئ جذوتها، إذا نمت ثقافة المساءلة والمساهمة خارج قنوات السلطة تتمثل ركائز هذه الثقافة في محاسبة الجهات الحاكمة ونيل الحقوق من خلال الضغط والنزول إلى الشارع.
هذا التغيرات في الثقافة السياسية آرقت السلطة الحاكمة وما يتصل بها؛ فصار جهدها يتركز البحث عن حلول تطفئ جذوة هذا الوعي غير المسيطر عليه بفضل وسائل التواصل السريعة، هذا الوعي ولّد جيلًا لا تهمه الأيديولوجيات المحفوفة بالغبار بقدر ما تهمه المطالبة ببناء الدولة ونيل الحقوق والعيش بكرامة.