التحولات الأدائيَّة في المسرح المعاصر

ثقافة 2023/12/17
...

 د. علاء كريم
التحول هو أمر حتمي، يحدث نتيجة الحاجة إلى تغيير حدود صورة جوهريَّة جديدة تعقب الصورة القديمة، والتي بوساطتها يسعى الإنسان وراء كل ما هو جديد لكي يناسب الحياة الجديدة، ومصطلح التحول مرادف إلى معنى التطور، من ثمَّ فإن كل شيء في تحول دائم. وقد يتقارب ذلك مع معنى التحولات الأدائيّة في العرض المسرحي، وما ينتج عنها من معالجات إخراجيَّة تخصّ بنية العرض، وتنزاح إلى النصّ وتحولاته عبر توظيف الحادثة او الموقف.
 من ثمّ يمكن أن تنتج أشكالاً مختلفة تعتمد على مشاكسة المتلقي، والتحرر من النص الأدبي، وتظهر من خلالها آليّات جديدة تتميز بمغادرة المألوف والبحث في المهمل من أجل توظيف فضاءات جديدة، ورسم أنساق دراميَّة مغايرة تعيد صياغة العرض المسرحي بما يتوافق مع تحولات الأشكال الأدائيَّة، والتي يسعى بوساطتها المخرج إلى كسر القوالب الساكنة والمكررة، واعتماد التحولات الفكريَّة والتجريبيَّة التي تحمل المتعة، والتي تعتمد على التأويل متعدد الأوجه.
أما بالنسبة للمثل فقد تحقق له التحولات الأدائيَّة، توازن يلامس طبيعة الظروف المرتبطة بتحولات الرؤية، كـ «عملية» التكيّف مـع متغيرات الواقع ومسبباتها عبر مواجهتها، ويؤكد ذلك «بريخت» بقوله: ليس على الإنسان أن يبقى كما هو الآن، ولا يجب أن تنظر إليه كما هو عليه، بل كما يمكن أن يكون، ومع ذلك فإنّ هذا لا يعنـي أن أضع نفسي مكانه، بل أن أضع نفسي في مواجهته حتى يمكـن أن يمثلنا جميعاً، لهذا يجب على المسرح أن يجعل ما يقدمـه يبـدو غريبــاً. وعديدة هي التجارب وعلى المستوى المحلي والعربي والعالمي التي فتحت مساحات تمكن الممثل من ايجاد تحولات أدائيَّة لها معانٍ متعددة في العرض المسرحي، قد تستجيب وتتغيّر هذه المعاني تبعاً لتشاركيّة الجمهور وتفاعله مع الحدث في محاولة منه، لإيجاد مبرر على التواصل الموضوعي، وأيضاً التعامل مع متغيرات الواقع الذي هو بحاجة مستمرة للإدراك والاستيعاب والتغيير.
وإذا أخذنا المسرح العراقي أنموذجاً يدرج فيه شكل التحولات المتضمنة لأفعال تستعرض مجريات الأحداث في العراق، ومن ثم تصور المتغيّرات الحياتيَّة، والتي تركز على استلهام الأفعال المؤثرة في المجتمع العراقي، وعليه، يحتاج المسرح العراقي اليوم الى فضاء مغاير، يمكن من خلاله ايجاد منظومة تنتمي إلى ما وصلت إليه التجارب العالميّة المعاصرة، والتي يمكن لها أن تنتج مسرحاً إيجابيّاً، عبر طبيعة التحولات المعمول بها في ظل التقنيات الجديدة، والتي تحتاج فكراً منظماً يعمل وفق أسس علمية أو تخطيط منهجي مسبق. وهناك عروض مسرحيّة عراقيّة تضمنت التحول الأدائي عبر استعراض مجريات الواقع العراقي، المنتمي إلى مستوى الخطاب الإبداعي. وفي تسعينيات القرن الماضي قدم الدكتور سامي عبد الحميد مسرحية (عطيل في المطبخ) والتي أعدها عن مسرحية (عطيل) للمؤلف وليم شكسبير. جسّد ادوار الممثلين طلبة معهد الفنون الجميلة - بغداد.
تضمنت هذه المسرحية مجموعة من التحولات، منها ما جاء في النص، وايضا في الأداء والتقنية، والتحول في الشكل والذي هو كسر الثوابت، والانتقال من الأفعال الساكنة إلى حالة جديدة متحولة عن القيمة الثابتة والناتجة عنها. إذ حاول المخرج في هذا العرض المسرحي رسم فضاء كافتيريا مسرح الرشيد، ولم يقدمه على خشبة مسرح تقليدي، ويبدو أن المخرج انزاح إلى فكرة التحول في المكان ليقدم فرضيته عبر الانزياح إلى المكان أو الجغرافيا التي يفترض أن الحدث الدرامي وقع فيها، وهنا قد تتجسّد مفاهيم التحولات بالمكان من خلال بيئة (المطبخ)، وما تضمنه من مفردات واكسسوارات تمّ توزيعها على الشخصيات، إذ أصبح (عطيل) رئيساً للطبّاخين، وليس كما كان في النص الشكسبيري قائداً عسكرياً، وأصبحت (دزدمونة) ووالدها (كاسيو) نادلين في صالة المطعم.
أما (ياغو) فأصبح أحد الطباخين، و(الدوق) صاحب المطعم. وهنا اعتمد المخرج في عمليات التحول الأدائي، على طبيعة الجوانب الاجتماعيّة والنفسيّة، وما تعكسه من تصورات داخل الظروف التاريخيّة والعوامل البيئيّة المتغيّرة.
ونستنتج من ذلك بأنّ المخرج في العرض المسرحي المعاصر، يتعامل مع مفهوم التحول عند الممثل، بوصفه فعلاً ايديولوجياً مبنياً على متغير العلاقة ما بين مكان العرض والمتلقي. وبما أن فن المسرح يعتمد الاتصال الإنساني، وكما يؤكد (بريخت) على أن التحول في الأداء يتخذ شكلا مهنيا يعتمد التكنيك في كتابة النص المسرحي وآليّات التحول التقنية والجمالية، والتي تتمثـل فـي نمط الشخصيات والأحداث التي تبنى على فكرة ترجع بنا الى الماضي مع تغريب الحاضر.
وأحدثت العديد من المتغيرات عبر أزمنة مختلفة وبأبعاد فنيّة وجماليّة، تحولات أدائيّة على مستوى الشكل والمضمون، وأيضا في التحكّم ببنية النص على ضوء ارتباطها المشروط بالرؤية الجماليّة والفنيّة لتقديم شكل العـرض ومنهجـه بما يتوافق مع طبيعة الجوانب الاجتماعيّة والنفسيّة.