الحبيب بو رقيبة ورؤيته لحل القضيَّة الفلسطينيَّة

آراء 2023/12/20
...








 عبد الحليم الرهيمي


بعد اصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم (181) في 29 من نوفمبر – تشرين الثاني عام ‏‏1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية ويهوديّة.. دخلت القضية الفلسطينيّة، أي الصراع ‏الفلسطيني – اليهودي ثم الاسرائيلي، مرحلة جديدة وخطيرة تختلف بطبيعتها وخطورتها وتأثيرها على ‏الأوضاع في المنطقة عن المراحل التي سبقتها، إذ تركز الصراع أولاً على رفض ومحاربة الفلسطينيين ومعهم ‏العرب لقدوم المهاجرين اليهود واستيطانهم، حتى بلغ ذلك الصراع إحدى ذرواته في ثورة عام 1936 التي ‏أنعشت أهداف وضرورة استمرار المواجهة الفلسطينيّة للمهاجرين والمستوطنين والى الجماعات السياسية ‏والمسلحة الارهابيّة اليهودية، الامر الذي لفت الدول والمنظمات العالمية المعنية للتدخل وايجاد الحلول التي ‏تراها مناسبة لوقف الصراع وسفك الدماء. 

أما بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين فقد اعلنت منذ نهاية ‏الثلاثينات من القرن العشرين عن نيتها سحب قواتها المحتلة لفلسطين من دون تحديد ما سيعقب ذلك الانسحاب ‏واية جهة ستتولى إملاءه.‏

ومع تصاعد هذا الصراع ومحاولات الفلسطينيين والدول العربية توجيهه لمصلحة القضية الفلسطينية بعقد ‏مؤتمر الجامعة العربية في (بلودان) السورية وقمة (انشاص) في مصر ومؤتمر (صوفر) في لبنان.. اتسع ‏بموازاة ذلك نطاق التحركات الدبلوماسية الغربية والامم المتحدة لتقديم التوصيات لحل هذا النزاع والصراع ‏المحتدم بين اليهود من جهة والفلسطينيين ومعهم العرب من جهة اخرى، حتى صدر في ضوء ذلك قرار ‏الجمعية العامة للامم المتحدة بتقسيم فلسطين وذلك في 29/11/1947. 

وإذ استقبل هذا القرار اليهود بالفرح ‏والابتهاج، عبر الفلسطينيون ومعظم الدول العربية عن رفضهم لهذا القرار بكل قوة والقيام بما يستطيعون من ‏جهود دبلوماسية وغير دبلوماسية لالغائه، هذا بينما استغله اليهود للمباشرة بإعلان (دولة اسرائيل) في ضوء ‏هذا القرار وذلك في 15 مايو – ايار عام 1948 وقبل ساعات من اعلان بريطانيا تنفيذ قرارها في البدء ‏بانسحاب قواتها من فلسطين.

وقد تصاعدت بعد ذلك بأيام الحرب العربية – الاسرائيلية الاولى، التي اعترف ‏الفلسطينيون والدول العربية المشاركة بها بهزيمتهم امام اسرائيل التي اطلقوا عليها مصطلح (النكبة).

وفي السنوات التي تلت التقسيم وقيام دولة اسرائيل وهزيمة أو (نكسة) الفلسطينيين والعرب الذين بدأوا ‏الاعتراف بضعفهم وقوة اسرائيل فقد اقتصرت مقاومتهم على مناوشات عسكرية غير فعالة، حتى اعلنت حركة ‏‏(فتح) الفلسطينية في الاول من كانون الثاني عام 1965 عن انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة ضد اسرائيل‏‏.‏

غير أن إعلان حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) الثورة المسلحة ضد اسرائيل لم يمثل تحولاً ستراتيجياً ‏مهماً في الموقف العربي الفلسطيني تجاه اسرائيل، فقد استمر الجدل والنقاش الواسع بين النخب السياسية ‏الفلسطينية والعربية وقادة بعض الدول العربية التي تعتبر نفسها المعنية اكثر من غيرها لايجاد الحلول العملية ‏والواقعية للصراع الفلسطيني العربي – الاسرائيلي، توجه من تونس إلى العاصمة الاردنية عمان وبدعوة ‏رسمية الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة حيث التقى بالملك الاردني حسين وبقادة فلسطينيين، وقد ألقى في ‏هذه الزيارة خطبة وصفت بالتاريخية أمام عشرات الاف الفلسطينيين في مدينة اريحا وذلك في 13 آذار – مايو ‏عام 1965 حيث عبر في هذه الخطبة عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية باعتباره رئيساً عربياً (مجاهداً) ‏معنياً بمصير القضية ومكافحاً ضد الاستعمار الفرنسي طيلة 34 عاماً حتى نالت بلاده الاستقلال من ‏الاحتلال الفرنسي.‏

كانت الفكرة الاساسية لخطبته التي مهد لها إلى كفاح التونسيين ضد المستعمر الفرنسي وكذلك لكفاحه ‏السياسي الواقعي الذي افاد بلاده وهو اتباع سياسة الخطوة خطوة أو سياسة (خذ وطالب) بدل السياسة ‏المغامرة وغير العملية الفاشلة والقائلة بـ (كل شيء أو لا شيء) إذْ ضرب مثالاً عملياً لذلك بقبوله في احدى ‏مراحل الكفاح ضد فرنسا باقتراح (الحكم الذاتي) الذي شكل انطلاقة للاستقلال التام.

وبذلك يخلص إلى ‏مناشدة الفلسطينيين والعرب الأخذ بهذه السياسة والموافقة على قرار التقسيم (181) وان يبني الفلسطينيون ‏دولتهم على ما أقرته لهم الامم المتحدة بقرارها ذلك ثم يطالبون بالمزيد، لا سيما أن الضفة الغربية وغزة كانتا ‏‏(آنذاك) الاولى تحت سلطة الاردن والثانية تحت سلطة مصر، ومن السهولة اقناعهما بتحويلها إلى سلطة ‏الدولة الفلسطينية المقترحة مع ما أقرته لهم الامم المتحدة لاقامة دول فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

وثمة من ‏يعبر عن شديد الأسف لعدم الأخذ برؤية هذا المكافح والمجاهد والسياسي المحنك الذي أثبتت الأحداث صحة ‏رؤاه بالمطالبة الان بأقل منها، لكن من دون جدوى!!. ‏