إنريكي ألبانيس
ترجمة: شيماء ميران
أصبحت الأدوية المستخدمة في علاج السكري والتنحيف حديث المجتمع، إذ بدأ الأمر مع المشاهير أمثال ايلون ماسك واوبرا وينفري اللذين صرحا بتناولهما هذه العلاجات. أثارت أدويَّة التنحيف جدلاً واسعاً ليس بوصفها قضيَّة أخلاقيَّة أو نقصاً في قوة الإرادة، بل كونه مرضاً. فمنذ أيام البوتكس والفياغرا لم يُعرف علاجٌ طبيٌّ بين المجتمع بهذه الطريقة، فكانت العلاجات (ويجوفي- Wegovy) و(أوزيمبيتس- Ozempic) و(GLP-1 عقاقير السكري) الأكثر شهرة، سبباً بأنْ تكون الشركة الدنماركيَّة المصنعة (Novo Nordisk) هي الأكثر قيمة في أوروبا وأنقذت الدنمارك من الركود. وكانت متصدرة للعناوين في المجلات العلميَّة ما يدلُّ على فعاليتها والحد من حوادث القلب والأوعية الدمويَّة. ومع اقتراب نهاية العام الحالي تستمر الأدوية في احتلال المنشورات المهمة لمجلة ساينز.
محاكاة هرمونات الجسم
تحاكي هذه الأدوية هرمونات الجسم ما يجعلنا نشعر بالشبع بشكلٍ طبيعي بعد تناول الطعام، ويستمرون عليه لفترة زمنيَّة أطول. ورغم وصفها منذ العام 2017، لكنها توسعت بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الأخيرة، إذ يمكن لـ(ويجوفي) أنْ يُنقصَ الوزن بنسبة 15 بالمئة وهذا ما لم يتمُّ تحقيقه مسبقاً. يقول «خوان خوسيه جورجوجو، رئيس قسم التغذية في مستشفى جامعة مؤسسة ألكوركون في إسبانيا: «ما هو الأكثر أهميَّة، بعيداً عن فقدان الوزن، هو أنها تُظهر انخفاضاً بمعدلات الإصابة بالأمراض والوفيات».
فبحسب دراسة نُشرت حديثاً فإنَّ هذه الأدوية تقلل من خطر الإصابة بالنوبات القلبيَّة والسكتات الدماغيَّة بنسبة تصل الى 20 بالمئة لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة. يضيف الدكتور « جورجوجو»: «لقد أظهر هذا الدواء فوائد سريريَّة لمرض قصور القلب» وهذا سببٌ كافٍ يجعله أحد إنجازات هذ العام، إذ أثبتت تجربتان فوائد هذه الأدوية تتجاوز فقدان الوزن. فضلاً عن أنَّ لها آثاراً جانبيَّة غير متوقعة في تعديل سلوكيات المدمنين، ما يفتح استخدامات مستقبليَّة محتملة للعلاج. فقد أثبتت العديد من التجارب استخدامها في علاج إدمان المخدرات وألزهايمر ومرض باركنسون».
جاء إعلان مجلة «علوم» هذا بعد يومٍ واحدٍ من اختيار مجلة Nature عالمة الكيمياء الحيويَّة “سفيتلانا موجسوف”، واحدة من علمائها العشرة لهذا العام. كانت مساهمتها العلميَّة في هذه الأدوية حاسمة، فقد حددت ووصفت الهرمون وأنشأت الببتيدات التي تعتمد عليه. لكنَّ قصتها مهمة، إذ أشادت المجلات والجوائز الصناعيَّة بعمل العالمة موجسوف، في حين تجاهلها أطباء مثل “دانيال دراكر” و”جويل هابنر” و”جينز جول هولست”، بشكلٍ منهجي. وبعد سنوات، حصلت عالمة الكيمياء الحيويَّة الصربيَّة على الاعتراف الذي حُرِمَت منه سابقاً، واضطرت مجلات مثل Cell وNature، التي أسكتت مساهماتها في البداية، إلى نشر تصحيحات لوضع اسمها على قدم المساواة مع أسماء زملائها.
التكاليف وتأثير الارتداد
يوضح «جورجوجو» أنَّه في السياق الإسباني، يتمُّ تمويل منبهات GLP-1 لحالات مرض السكري من النوع الثاني فقط، ويجب أنْ يأخذ نظام الرعاية الصحيَّة بعين الاعتبار ويبدأ في تمويل علاج المرضى الذين يعانون من السمنة والمشكلات ذات الصلة. الفرق هو دفع مبلغ من 4 - 130 يورو اسبوعياً. وهذا سيتطلب إنفاقاً عاماً كبيراً، لكنَّه قد يوفر المال على المدى الطويل. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإنَّ السمنة ترتبط بأكثر من 200 مرض ومشكلات في القلب والأوعية الدمويَّة، في حين تمثل المضاعفات الناجمة عن السمنة 9.7 بالمئة من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحيَّة في إسبانيا. الخبر السيئ إنَّ هذه النفقات ثابتة، يقول جورجوجو: “السمنة مرضٌ مزمن، ولا يوجد علاجٌ لمرض مزمن لبضعة أشهر فقط. بل يستمر العلاج مدى الحياة”. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تجربة سريريَّة حديثة أجريت باستخدام تيرزيباتيد، ووجد بعد 36 أسبوعاً من العلاج، خسارة المرضى في الوزن بمعدل 20.9 بالمئة. وتوقفوا عن إعطاء الدواء لبعض المرضى واستبدلوه بدواءٍ وهمي. استعادت هذه المجموعة 14 بالمئة من وزنها، في حين استمر البقيَّة بفقدان ما يصل إلى 5.5 بالمئة من وزنهم في الأسابيع التالية. يسلط “ كريستوبال موراليس”، طبيب الغدد الصماء في مستشفى فيرجن دي لا ماكارينا، الضوء على الطرق التي غيرت بها هذه الأدوية التصورات الاجتماعيَّة للسمنة، قائلاً: “التغيير الرئيس إنَّنا أدركنا أنَّه مرضٌ اجتماعي، فهناك نقصٌ في التكيف التطوري. لدينا جينات ما قبل التاريخ من العصر البليستوسيني، ووضعنا المعيشي ليس كما كان حينها. نحن نعيش في بيئة مسببة للسمنة”. ما يدفعنا إلى الإفراط في تناول الطعام. تعمل على إطلاق كميات هائلة من الدوبامين في أجسامنا للتفاعل بهذه الطريقة مع السكريات والدهون النادرة في الاطعمة الطبيعيَّة.
تقدم علمي
يقول موراليس: “الشيء الجيد هو أنَّ العلم قد تقدم لتقديم إجابة لهذا النقص في التكيف، التحرر من القيود الأيضيَّة”.
ووفقاً للمسح الصحي الأوروبي لعام 2020 في إسبانيا، فإنَّ 24 بالمئة من ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض يعانون من السمنة، في حين يبلغ معدل الانتشار 9 بالمئة فقط بين الأشخاص الذين لديهم المزيد من الموارد. إنَّ السمنة مسألة طبقيَّة، وظهور هذه الأدوية يؤكد هذه الحقيقة. لذلك يدعو المتخصصون إلى فهم هذه الأدوية بوصفها أداة لتحسين الصحة، وليس الجماليات، وأنْ يكون التقدم العلمي مصحوباً بنهجٍ اجتماعي متعدد العوامل. تشير مجلة Science، الى أنَّ العام 2023 هو عام منبهات GLP-1. ويعتقد “موراليس”: “أنَّ العام 2024 سيكون عام معالجة مشكلة السمنة وخفض منحنى المضاعفات الناجمة عنها”.
عن جريدة إلبايس الاسبانيَّة