كاتي روجرز
ترجمة: أنيس الصفار
أخذ المسؤولون الأميركيون في الفترة الأخيرة يفصحون عن رغبتهم في أن تراعي إسرائيل تخفيف شدة حملتها البرية والجوية واسعة النطاق ضد حماس في قطاع غزة، فقد انتقد الرئيس بايدن إسرائيل على ما وصفه بقصف المدنيين من دون تمييز، كما توجه «جيك سوليفان» مستشار الرئيس للأمن القومي إلى إسرائيل للتباحث بخصوص المرحلة التالية من هذه الحرب.
تلك كلها مؤشرات على أن تغيراً قد طرأ على كيفية تعاطي الرئيس بايدن ومستشاريه مع العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ هجوم 7 تشرين الأول.
يقول «دوف واكسمان» أستاذ دراسات إسرائيل في جامعة كاليفورنيا: «لقد شهدنا تحولاً.. من نهج الضغط من وراء الكواليس، الذي كانت الإدارة تمارسه منذ وقت مبكر، إلى نهج التصاعد المعلن في إسداء النصح والتسريبات والمناشدات الذي نراه الآن. من الواضح إذن أن صبر الإدارة الأميركية قد بدأ ينفد.»
في يد الولايات المتحدة ستراتيجيات معينة تمكنها من الاستمرار في محاولاتها لإقناع إسرائيل بتغيير تكتيكاتها، ولو أنها كلها لها انعكاساتها وتكاليفها السياسية والدبلوماسية على السيد بايدن.
في ما يلي نظرة على بعض النقاط الأساسية التي تمكن الولايات المتحدة من ممارسة الضغط على إسرائيل:
مساعدات أمنية بمليارات الدولارات
بإمكان الولايات المتحدة أن تفرض شروطاً على الأموال التي تمنح لإسرائيل، إذ تتلقى الأخيرة ما يناهز 3,8 مليارات دولار من الولايات المتحدة سنوياً كجزء من اتفاقية للمساعدة الأمنية أمدها 10 سنوات، أبرمت في عهد إدارة أوباما، وهذا الرقم يمثل نحو 15 بالمئة من ميزانية إسرائيل الدفاعية.
حين تستخدم إسرائيل هذه الأموال لشراء كميات كبيرة من الأسلحة أو الذخائر، يجب أن توقع وزارة الخارجية الأميركية على الصرف أولاً، لذا تستطيع الإدارة أن تجد سبلاً لاعتراض طريق تلك الأسلحة أو التباطؤ في تسليمها.
من ناحية أخرى لدى وزارة الخارجية قدرة الالتفاف على الكونغرس، كما فعلت في الأسبوع الماضي حين أقرت مبلغ 106 ملايين دولار لشراء ذخائر دبابات لإسرائيل.
بما أن معظم مبيعات الأسلحة الأميركية تكون مقيدة بشروط – مثلما حدث في حالة أوكرانيا حين منعت من إطلاق صواريخ أميركية الصنع على الأراضي الروسية – يستطيع السيد بايدن أن يضع قيوداً مماثلة على كيفية استخدام القنابل الأميركية في المناطق المكتظة بالسكان مثل غزة، لكن قيامه بذلك قد يضعه بمواجهة جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل التي كان متعاطفاً معها لسنين عديدة.
الضغط سياسياً على نتانياهو
إسرائيل لا غنى لها عن دعم إدارة بايدن، ليس فقط من أجل استمرار إعادة تجهيز قواتها، بل لحمايتها أيضاً من الضغوط الدولية التي أخذت توجه إليها من أطراف أخرى، بما في ذلك الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة هي أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة، وقد استعملت حقها في النقض (الفيتو) مؤخراً لإيقاف قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، لذا يمكن للولايات المتحدة مستقبلاً أن تعدل عن استخدام حقها بهذه الطريقة.
يستطيع بايدن أيضاً أن يستمر في الحديث علناً عن حل الدولتين كضرورة، وهذا من شأنه تسليط ضغط سياسي على نتانياهو.
بيد أن أيا من هذه الإجراءات سيجر معه تكلفة ملحوظة على بايدن الذي تمتد جذور علاقته بنتانياهو لفترة قاربت نصف قرن. في الماضي كان يحاول أحياناً إقناع الزعيم الإسرائيلي بصورة شخصية بأن يعيد النظر بالأسلوب الذي ينتهجه، لكن مع دنو السنة الانتخابية سوف يتعين على الرئيس الأميركي أن يفكر أيضاً في الانتقادات التي يمكن أن يتعرض لها إذا ما استمرت الحرب.
يقول السيد واكسمان: «من الواضح أنه قادر على جعل الأمور أصعب بالنسبة لنتانياهو في الداخل الإسرائيلي، وحتى داخل حكومته إذا ما أصبح أكثر إفصاحاً وإعلاناً، لكني لا أعتقد أن بايدن لديه الرغبة في حدوث مواجهة معلنة مع نتانياهو.»
دبلوماسية من وراء الكواليس
انتهجت ستراتيجية بايدن في قسطها الأعظم أسلوب الدعم المعلن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع توجيه الانتقادات الأكثر حدة إليها على نحو شخصي.
يقول مسؤولون في الإدارة إن الرئيس ومستشاريه قد اعتمدوا دبلوماسية الأبواب المغلقة في حث الإسرائيليين على السماح للمساعدات الإنسانية بالتدفق على غزة، وإعادة الاتصالات إلى القطاع، والتوسط في صفقة رهائن، وتشجيعها على انتهاج عملية عسكرية أضيق نطاقاً وأدق استهدافاً. وفي يوم الجمعة الماضي قال المسؤولون إن قرار إسرائيل بفتح معبرها الحدودي في كرم أبو سالم للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كان أحدث اتفاق يتم التوصل إليه من خلال العمل الدبلوماسي المكثف.
العمل من وراء الكواليس كان له مفعوله في بعض الجوانب، كما يقول السيد واكسمان، ولكنه كان أقل مفعولاً من حيث التأثير في المسار الفعلي للحرب.
أما السيد سوليفان، مستشار الأمن القومي، فقد قلل من شأن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الحرب، لكنه أكد للقادة الإسرائيليين أن الولايات المتحدة تريد جدولاً زمنياً أقصر لخطط إسرائيل المتعلقة ببدء عمليات أعلى دقة وأضيق نطاقاً، كما يقول مسؤول كبير في البيت الأبيض.
في مقابلة معه قال مفاوض السلام المخضرم في الشرق الأوسط «دنيس روس»، إن سوليفان بدا عليه وكأنه يسير على خط دقيق حذر من دون أن يملي على الإسرائيليين شيئاً.
يضيف روس، الموجود حالياً في إسرائيل: «أعتقد أننا في سياق يتطلب الأمر فيه منا ذلك الحس الابتدائي بمحاولة التواصل مع الإسرائيليين، قبل التمكن من تحريكهم أو التأثير فيهم. نحن نقول لهم يجب عليكم أن تعوا أن الكيفية التي تديرون بها هذه الحملة ستكون لها ارتداداتها على من يهمكم أمرهم في المنطقة.»
*عن صحيفة «نيويورك تايمز»