أوروبا وسياسة المراجعة

قضايا عربية ودولية 2023/12/21
...

علي حسن الفواز

تواجه أوروبا انقساما سياسيا صعبا، على مستوى صياغة المواقف، أو على مستوى القبول باستمرار الكارثة في غزة، فالقتل المجاني وتعقيد المشهد الإنساني أمران يواجهان رأيا عاما ضاغطا، وتصدعات بنيوية في المواقف السياسية، وما قاله وزيرا الخارجية البريطانية والألمانية، شاهد على ما يجري؛ فـ» الأوقات صعبة» و» القتل مأساة بحدّ ذاتها»، يحمل معه إشارات إلى مراجعة سياسية جديدة، تدفع باتجاه مواجهة التعنت الصهيوني، والكشف عن عقدة الفشل التي يعاني منها الكيان، لاسيما أن توسّع الصراع في المنطقة، وفتح جبهات أخرى، يمكن أن يؤديا إلى واقع كارثي وإلى مآسٍ جديدة.
الوزيران وهما من حزبي المحافظين والخضر في بريطانيا وألمانيا، يُثيران أسئلة مفارقة في الواقع السياسي الأوروبي، فهما من مرجعيات أيديولوجية مختلفة، لكنهما اتفقا على أن استمرار «العدوان الصهيوني» سيكون مأزقا كبيرا، على مستوى معطيات السياسة، أو على مستوى البحث عن حلول واقعية وعقلانية للأزمات في الشرق الأوسط، التي يُشكّل الملف الفلسطيني من أكثرها تعقيدا، لاسيما أن ما يجري في غزة من عدوان إجرامي هو نتيجة لـ»النسيان الدولي» الذي ترك ذلك الملف على الرفّ، وجعل من الكيان الصهيوني يتمادى في عنفه وعنصريته، وفي سياساته الاستيطانية، حتى تحوّل «غلاف غزة» إلى بؤرة لهذه السياسة، وبما يجعل السيطرة على الجغرافيا مدخلا للسيطرة على التاريخ كما قال السكندر دوغين.
هذه التصريحات وغيرها من أحاديث لوزير الخارجية الإسباني، ولرئيسة وزراء إيرلندا، بالدعوة إلى وقف إطلاق نار فوري ودائم، تضع علامات استفهام حول الموقف الأميركي الرافض، والموقف الصهيوني الذي يُبرر استمرار العدوان بعدم قدرته على السيطرة على الأرض، وهذه مفارقة غريبة تُثير أسئلة حول علاقة الولايات المتحدة بأهداف هذا العدوان.
هدف استمرار العدوان لن ينطلي على أحد، وربط وقف إطلاق النار بالسيطرة يكشف عن «مؤامرة كبيرة» لها أطرافها الدولية، وعلى نحوٍ قد يُعيد إلى الأذهان الحديث القديم عن «شرق أوسط جديد» في خارطته الجديدة، وفي سياساته، وفي مساراته الاقتصادية والأمنية، على حساب أمن الشعوب ومعاناتها، وربما دفع العالم إلى مأزق مفتوح يمتد من أوكرانيا إلى فلسطين إلى اليمن، وهو ما تؤيده العسكرة الجديدة التي بدأت مظاهرها واضحة في المنطقة، وأحسب أن حساسية أوروبا إزاء ما يجري هي التي دفعت بعض الدول الأوروبية إلى البحث عن حلول سريعة، لأن حرائق الشرق الأوسط ستشعل حرائق كبيرة في الاقتصادات الأوروبية، وستجعل  أمنها الاجتماعي مهددا أمام موجات جديدة من اللاجئين والمهاجرين.