التطرف حراك تصاعدي

منصة 2023/12/25
...

 حازم رعد
العنف حركة تصاعدية "تطورية" كغيرها من السلوكيات، التي تنشط باستمرار الاعتقاد بأن التطرف والعنف أو الدربة على الممارسات الخشنة، فالعنف على وفق هذه المقاربة يبدأ من فكرة، فهو حصيلة الاعتقاد "باختصاص الفرد أو الجماعة باحتكار الحق، وتكذيب سائر الآخرين"، وتتسلسل عملية التطرف وصولا إلى استعمال العنف من خلال اقصاء الآخر المختلف بتكذيبه أو اخضاعه أو محاولة الهيمنة عليه، وحيث غنه (يتجذر الشّر.. عندما يبدأ الإنسان في التفكير بأنه أفضل من غيره) كما يقول يوسف برودسكي.
فالبداية مع الاعتقاد ومع الفكرة، ومنها تؤول الأمور إلى دفع الآخر وتجريمه وإقصائه، ما قد يولد دافعاً بالمقاومة للحفاظ على نفسه أو هويته من التهميش والتلاشي، وهذه الأخيرة يبدو أنها نزعة ذاتية عند كل إنسان فهو ينزع إلى الدفاع عن نفسه أزاء أي خطر داهم، بل ويذهب باتجاه مقاومة كل ما يريد النيل منه، أو من أشيائه وما يتعلق فيها، وهذا ما قد نستطيع استشفافه في بول فولتير في كتابه أسئلة حول المعجزات (لا شك أن من له الحق في جعلك سخيفاً، له الحق في جعلك ظالماً)، فإن منع وتخطئة آراء ومعتقدات الآخرين هو الوجه الآخر للقول بسخافتها، وعدهم أهليتها.
وهذا ما يقود إلى الاعتقاد "عند محتكر الحق" إلى أن ارتكاب الظلم بذلك الاعتقاد يقود  بدوره إلى ارتكاب حماقة الإقصاء بداعي المحاولة للهداية أو تجنيب الناس خطأ الاعتقاد الفاسد أو الممارسة الخاطئة وما إلى ذلك.
لا يدرك الأفراد وبعض الجماعات -لجهلهم طبعاً- خطورة احتكار الحق، ومحاولة دفع الآخر عن مسرح الاعتقاد والفعل الحر، فهم بتلك الممارسة ويقرون عدم امكانية العيش المشترك، بل "وهذا راسخ في قرارة أنفسهم" أن من ضرورة الحق هو إقصاء المختلف والغائه وعدم الاعتراف به.
وهذا ما يخلق فجوة أو بداية لصدع يحطم السلم الأهلي والامن المجتمعي، وينذر الجميع بالخشية والحذر المستمرين، فهناك إلى جانب النزعة المادية عند الإنسان التي من خلالها يجهد للحصول على ما يعززها من غذاء وكلاء وحاجات جنسية ومتطلبات عيش ضرورية آخر، هناك ايضاً متطلبات معنوية يجهد الإنسان نفسه بالحصول أو الحفاظ عليها مع وجودها، ومن ضمنها امكانية الحرية والاعتقاد والتعبير عن الرأي والعيش الكريم، ولعل هذه الأخيرة تكون أشدَّ قوةً ونشاطًا عن جماعات بحيث تفوق كل الدوافع الأخرى عند الإنسان، فاذا ما أحس الإنسان بخطر يداهمها إنكب يدافع عنها بما يتوفر عليه من امكانيات وقدرة.
وحسب هذا التسلسل الذي عرضناه فإنه بالإمكان القول إن التطرف العنيف يقف على بدايات تتعلق بالفكر والاعتقاد، أي البعد النظري عند الإنسان، لا سيما يتزايد ذلك التأكيد في ما لو كانت تلك الاعتقادات والتصورات ناشئة عن نصوص دينية أو أيديولوجية سياسية.
فبالعادة أن هذين الاتجاهين يحتكران الحقيقة في مقاربتهما النظرية للأشياء، وكذلك يقصيان الآخر المختلف في فضاء الممارسة والنشاط العملي في ما لو تمكنت من الهيمنة والاستحواذ على السلطة، فإن كل الملاحظات تؤشر إلى أنهما لن يدخرا جهداً في التهميش والإقصاء والألغاء وعدم الاعتراف بالآخر، خاصة مع توفر حاضنة جماهيرية مؤيدة لهما، وتقف معهما في التطلعات السلطوية وهموم الهيمنة التي ينهدان
لها.
ومآلات ذلك قد تنبأ بالمحذور فما لا يمكن ضمانه هو استمرار هدوء الناس وسكينتهم إزاء الضغط الهووي، الذي يمارس عليهم وإزاء محاولات اقصائهم وإبعادهم من مسرح الأحداث وسلب حرياتهم وكبح جماح إرادتهم الحرة، فلكل تحدٍ استجابة تتناسب مع ذلك التحدي، فيكون كل فعل له مردود من الأفعال التي لا يمكن التكهن بحجمها وقوتها واتجاهها، فقد تأتي على الواقع فتحطمه بشكل تام.
وعليه فإن التطرف العنيف يبدأ باحتكار الحقيقة وتخطئة الآخر واعتباره إثماً بتبنيه أفكارًا مخالفة، وتستمر هذه النزعة بالنمو مع الاعتياد والاعتقاد بها لتصل في نهاية الأمر إلى ممارسة العنف ضد الآخر.