الاقتصاد الأزرق الإسرائيلي في مأزق

آراء 2023/12/26
...

 سناء الوادي

 عقدٌ من الزمن مرَّ على كيان الاحتلال وهو يسعى نحو مستقبل مميز من التنمية الاقتصادية النظيفة، والتي قد تغدو أهم روافد الدخل القومي له، فمنذ العام 2013 م عمل خمسٌ وثلاثون عالِماً من نخبة خبراء البحريَّة والموانئ والأحياء المائيَّة على مستوى العالم على تخطيط أنموذج يعد الأفضل لكيفيّة استغلال مساحة الحدود البحرية لإسرائيل - المنهوبة أساساً - على النحو الأمثل والتي تفوق مساحتها مساحة الأرض التي اغتصبتها من فلسطين فبلغت 26 ألف كم مربع فاستخرجت الغاز والنفط من البحر وأنشأت مزارع للسمك والطحالب والرخويات لتصنيع الوقود الحيوي حتى باتت وجبة السمك طبقاً رئيسياً للبروتين للمستوطنين

ولم تغفل عن بناء محطات تحلية المياه لحل مشكلتها في نقص مياه الشرب تلك التي جعلت منها طامعةً على الدوام في مياه نهر الأردن والليطاني والعوجا وغيرها من أنهار الدول المجاورة، ولم تنسَ قط في مخططها المحافظة على ما اكتشف مؤخراً من الحضارات القديمة الغارقة في المتوسط على أن تجعل منها معالم سياحيّة يقصدها السيَّاح ما ينهض بالقطاع السياحي الإسرائيلي وينشطه، ناهيك عن تأهيل الموانئ الرئيسية باستمرار «حيفا وإيلات» فمن المعلوم أن 98% من تجارة إسرائيل تأتيها بحراً من المتوسط.

وفي هذا السياق فإنّها تولي في الآونة الأخيرة اهتماماً بالغاً باقتصادها الأزرق وهو ما يميزها عن دول المنطقة ككل ولم تألُ جهداً في تطويره، لكن ما كان من ثمار عملية طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر والتي أينعت وقطفها المقاومون منذ الشهر الأول أنه قد ضرب الاقتصاد الإسرائيلي بسكين صارمة في مقتله، فحسب مكاتب الدراسات الأمريكية أنه قد يحتاج من خمسة لعشر سنوات مقبلة ليستطيع الوقوف على قدميه مجدداً، وأن أكثر ما تأثر به كان استنزاف 8% من القوة العاملة الإسرائيلية وذلك بسبب استدعاء ما يقارب من 350 ألف جندي احتياط للقتال ضد المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن هبوط قيمة الشيكل كثيراً الأمر الذي أسمع البنك ما جعله يستنفذ جزءاً كبيراً من الاحتياطي النقدي لتعديل قيمة العملة وحمايتها من الانهيار، فضلاً عن هروب عديد الشركات من بيئة استثمارية لم تعد آمنةً في نظرهم، وبالطبع لن ننسى مشهد الفرار الجماعي للمستوطنين الإسرائيليين في مطار بن غوريون ما يمثل مغادرة الأموال والعقول من الكيان الصهيوني، ومن المؤكد أن هناك خسائر كبيرة مُنيت بها السياحة الإسرائيليّة بعد أن كان من المتوقع أن تبلغ إيراداته لهذا العام ستة مليارات دولار في إثر إلغاء مئات الرحلات الجويَّة التي كانت متجهة إليها.

هذا ولم يكن الاقتصاد الأزرق للكيان المحتل في منأى عن تأثيرات الحرب على غزة فلم يتوقف الأمر عند إنهاء الطموح الإسرائيلي بالسيطرة على شواطئ قطاع غزة لإتمام مشروعها الاستراتيجي فقط بل إن توسّع نطاق المقاومة الذي وصل للحوثيين في اليمن - وهو مالم تتوقعه حكومة نتنياهو - قد ضيّق الخناق على السفن التجارية والحاويات المتجهة لإسرائيل ليصل الأمر إلى إغلاق مضيق باب المندب واستهداف كل من سيساعد في الحرب الدمويَّة على قطاع غزة، وذلك يعني بالضرورة حذر الشركات المالكة للسفن وتلك المختصة بالتأمين من التعامل مع جميع الأنشطة التجارية المتعلقة بإسرائيل وبالنتيجة يعني توقف العجلة الاقتصادية على أوجهها المتعددة والمزيد من الخسائر والانهيارات وأصبح من الاستحالة بمكان التفكير بالسيطرة على البحر الأحمر وذلك بعقد الاتفاقيات وتطبيع العلاقات المزمعة مع الدول المطلّة عليه.

إنَّ هذا الكيان المجرم المغتصب الذي كان يهدف في برنامجه الاستراتيجي بعيد المدى لتطوير الاقتصاد بشكل آمن ومستدام بأن يجعل من البحر مملكة راسخة تثبت وجوده في أعماق المنطقة العربية بحيث يمثل فرصة للربط وتطوير علاقات التعاون مع دول العالم المختلفة وهو ما جاء على لسان رئيس الحكومة نتنياهو عند الإعلان عن الممر العظيم وأظهر طموحه بتعميق دور إسرائيل كدولة محوريَّة في الشرق الأوسط.

ولربما يضعنا كل ما سبق في لحظة إدراك عن الكيفية التي يفكر بها العقل الصهيوني المستغِل لكل مورد من موارد فلسطين في البحر والجو وعلى الأرض فبعد أن بدأ وجوده فعلياً بعد النكبة عام 1948م وتنقّله بمراحل الاقتصاد من الزراعة إلى العمالة ومن ثَمَّ الالكترونيات وتصنيع التكنولوجيا الدقيقة وإنتاج السلاح، حتّى أنه يتفوق كثيراً على دول الجوار من العرب في عدة مجالات، وهذا يفسر إلى حدٍّ ما صعوبة نزع هذا الكيان الذي يتجذر في جسدنا بطريقة سرطانيَّة خبيثة.


كاتبة سورية