قائد عباس
السؤال هو جملة استفهاميَّة، أو طلب يوجَّه إلى شخص معين، أو عدة أشخاص، من أجل الحصول على إجابة لفظية منه أو منهم، أو من أجل لفت الانتباه لأمر معين، والسؤال هو أسلوب للحصول على معلومات أو بيانات أو لمعرفة شيء ما. والسؤال في اللغة هو استدعاء معرفة أو ما يؤدي إليها. واصطلاحاً هو مطلب يراد به جواب. لكن يبقى التساؤل الذي يجول في بالنا هل تبقى ماهية السؤال كما هي في جميع المجالات والعلوم؟
يهدف السؤال العلمي إلى الوصول إلى نتائج علمية دقيقة تصاغ على شكل قوانين غايتها تحقيق الأسباب القريبة، لأنه يرتبط بظواهر محددة ويستعمل الفروض والتقدير الرياضي.
ويتناولُ العلمُ السؤالَ بشكل أساسي من خلال عملية البحث العلمي وعند مواجهة العلماء موضوعًا معينًا، أو يكونون مهتمين بفهم جانب معين من العلم يبدؤون بطرح الأسئلة المناسبة. ويشجع العلماء على طرح الأسئلة المبتكرة والمفتوحة فالسؤال المبتكر ممكن أن يفتح الباب لاكتشافات جديدة وتطورات في المعرفة.
أما السؤال الفلسفي فهو يبحث في حقيقة الإنسان والطبيعة. ويعد طرح السؤال من أهم أدوات العلم والمعرفة من أجل الوصول إلى الحقيقة وتبديد الجهل حولها. ولا يتخذ السؤال الفلسفي شكلاً فردياً بل يتمثل بمجموعة أسئلة متتابعة، حيث يولد كل سؤال منها سؤال آخر وبدوره تولد عدة إجابات بخصوص الفكرة الواحدة وتمتاز هذه الإجابات بحياديتها وعدم إنجازها. ويُعَد الفيلسوف اليوناني سقراط (٤٧٠ ق. م_٣٩٩ ق. م) أولَ من طرح السؤال الفلسفي بدافع المعرفة، وكان طرحه له من خلال حوار متعدد الأشكال والمواضيع بهدف الوصول إلى المعرفة والحقيقة.
والسؤال العلمي يهدف إلى فهم الظواهر الطبيعية والتوصل إلى إجابات قابلة للتحقق من خلال الأدلة والتجارب. ويتم تحليل السؤال العلمي بواسطة المنهج العلمي واستخدام العلم والتكنولوجيا للوصول إلى إجابات محددة.
إلا أنَّ السؤال الفلسفي ينطوي على تحليل أعمق وأكثر للمفاهيم الأساسية والمشكلات الفلسفية. ويتعامل السؤال الفلسفي مع الأسئلة الكبرى حول الوجود والحقيقة والقيم والأخلاق من أجل الوصول إلى المعرفة على عكس السؤال العلمي. فإنَّ السؤال الفلسفي ليس بالضرورة أن يصل بنا إلى إجابات حقيقية وقطعية، بل يتعامل مع الأشياء كأفكار يمحصها ويعرضها للنقد. وبشكل عام السؤال العلمي يركز على الكيفية والتفاصيل والحقائق. في حين السؤال الفلسفي يركز على المعنى والغاية والقيم، أي بمعنى الأول يبحث في الجزئيات، والثاني يبحث في الكليات.
أما من حيث المنهج، فالسؤال العلمي يعتمد على المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يقوم على فرضية التجربة والملاحظة. على عكس السؤال الفلسفي الذي ينتقل من مجال البحث الحسي إلى مجال البحث عن العلل الأولى من أجل الوصول إلى الحقيقة المطلقة. فيرتكز على النقد كمنهج عام ويستعين بجميع المناهج الأخرى من أجل البحث الفلسفي للبحث عن حقيقة الأشياء، من حيث ماهيتها وجوهرها.
فالهدف من السؤال العلمي هو الوصول إلى نتائج دقيقة ووضع قوانين علمية محددة. أما الهدف من السؤال الفلسفي فهو البحث عن الحقيقة، لكن حقائقه تتباين بتباين المواقف وتعدد المذاهب، حيث ما يصل إليه الفلاسفة من نظريات متباينة.
فالسؤال كماهية يختلف من علم لآخر، ومن مجال لآخر تبعاً لمتطلبات الحقيقة، والبحث عنها، فالسؤال الرياضي يختلف عن السؤال في اللغة، أو الفني عن الفيزياء، صحيح أنَّ بداية التساؤل بدأ مع الفلسفة وأصل السؤال قائم على النقد، وليس الانتقاد، ولكون النقد يحتاج إلى منهج أو طريق للحقيقة، كذلك السؤال في العلوم يخضع لمتطلبات العلم الذي يبحث عنه، لا من حيث التسمية كسؤال، بل من حيث المنهج والبحث والنقد.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بوجود علاقة تكامل وتداخل بين السؤالين العلمي والفلسفي على الرغم من الاختلاف الموجود بينهما من الناحية الموضوعية والمنهجية، لأنَّ هناك تأثيراً متبادلاً بينهما، فالسؤال الفلسفي يخدم السؤال العلمي والعكس صحيح، ولا يمكن الفصل بينهما فصلًا قاطعًا، لأنَّ كليهما مكمل للآخر، ويؤثران ويتأثران ببعضهما البعض، لأنَّ لكل من السؤالين علاقة وظيفية فعالة وخدمة متبادلة. ومع ذلك فإنَّ العلم والفلسفة يتعاونان معًا لتوسيع فهمنا للعالم والإنسان.