الجولان.. سوري الهويَّة

آراء 2023/12/27
...






 ميادة سفر
تشكل هوية الفرد تأكيداً لماهيته، وجوده وكينونته، بكل ما تحمله من سمات وما تنطوي عليه من انتماءات، فالهوية السياسية والدينية والأيديولوجية والثقافية والاجتماعية، كلها أشكال وسمات تنعكس على الفرد لتشكل بمجموعها كلاً متكاملاً يظهر الفرد ككائن ينتمي إلى أرض أو بلد أو عقيدة، سواء كانت سياسية أو دينية، لذلك وانطلاقاً من أهمية الهوية والانتماء حاولت الدول المستعمِرة فرض هويتها على شعوب البلاد المحتلة وطمس كل ما يذكرهم بأصولهم ووجودهم وجذروهم، ويشكل العدو الإسرائيلي أحد أكثر أشكال الاحتلال عنصرية وعنفاً في محاولاته لفرض سلطته وهويته على سكان الأراضي التي احتلها، ومن بينها أهالي الجولان السوري المحتل الذي مازال متمسكاً بجذوره وانتماءه، رافضاً هوية المحتل منذ عقود طويلة مرتّ على احتلال أرضه.
منذ الرابع عشر من كانون الأول عام 1981 وما عرف حينها بـ “قانون الجولان” الذي فرض بمقتضاه القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، ما زال أبناء الجولان متمسكين بهويتهم ومعتصمين بحبل انتمائهم إلى بلدهم الأم سوريا، متشبثين بموروثهم وتراثهم الذي يعبر عن هويتهم الاجتماعية والثقافية، على الرغم من محاولات إسرائيل المتكررة السيطرة عليه ونسبه إليها.
يشكل تمسك الشعوب بهويتها عاملاً أساسياً لمواجهة المحتل، فإلى جانب المقاومة المسلحة والعسكرية تتحول الهوية إلى سلاح أكثر شدة وقوة لتثبيت الشعوب بأرضها والحفاظ على وجودها، وبمقدار ما يرفض الأفراد الاندماج في المجتمع الذي يفرضه المحتل بقدر ما يتمكن من كسب الرأي العام إلى جانبه، فعلى الرغم من القتل والتهجير ومصادرة الأراضي، الذي مارسته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والجولان السوري، لم تتمكن من تغيير هوية الشعوب بما فيها لغتهم وانتماؤهم.
يحاول المحتل تعزيز وجوده وتثبيت كيانه من خلال زعزعة أركان هوية الشعوب التي يحتلها، لذلك لم تتوانى إسرائيل عن اتخاذ كل الإجراءات لفرض هيمنتها على أهالي الجولان المحتل الذين يحيون هذه الأيام ذكرى رفضهم لقرار الضم، سواء من خلال فرض لغته العبرية على السكان ومحو آثار اللغة العربية لغة السكان الأصليين لما للغة من أهمية في تجذير الوجود الإنساني، أو من خلال تغيير أسماء الكثير من القرى والبلدات إلى أسماء عبرية، إلى غيرها من محاولات كإجبارهم على حمل الهوية الإسرائيلية والمشاركة في الانتخابات المحلية والتضييق عليهم بمصادرة أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية وفرض الضرائب.
بالنسبة لكثيرين ممن عانوا الاحتلال يغدو سؤال الهوية مسألة معقدة عصية على التفسير، تتجاذبها انتماءات طائفية دينية حيناً وأخرى سياسية أيديولوجية، إلا أنّ الرغبة في التحرر من الاحتلال غالباً ما يضع كل تلك التقسيمات جانباً وإن لوقت قصير، وهو ما جرى ويجري في الجولان السوري المحتل وفي فلسطين التي ما زال أبناؤها يقضون تحت القصف رافضين الخروج من أرضهم.