عبد الحليم الرهيمي
عنوان هذا المقال ليس من عندي، انما هو التساؤل الأثير الدائم للغالبية من الشعب العراقي. وأهمية هذا التساؤل ودلالاته أنه يتكرر طرحه عند كل دورة انتخابية للبرلمان أو لمجالس المحافظات. وما يدعو تلك النسبة العالية من العراقيين في طرح هذا التساؤل منذ الدورة البرلمانية الأولى عام 2006 حتى (الانتخابات) الأخيرة لمجالس المحافظات.
فمنذ تلك الدورة لم تركز البرامج والشعارات وأهداف المرشحين لقضايا الشعب الخدمية الصحية والتعليمية.. وغيرها، إنما على الانتماءات المذهبيَّة والدينيَّة والقوميَّة، التي مهدت لسيادة واستحواذ الأحزاب والجماعات، التي تطرحها على الفوز بالمقاعد لقياداتها وانصارها دون أي فائدة أو مصلحة للمنتمين إلى تلك الكيانات، التي تتحدث باسمها إلا شعارات شكلية أو تعبويَّة لا غير.
واذا كان (اكتشاف) هذه الحقيقة المرة والمؤلمة لدى جماهير تلك الكيانات قد جاء متأخراً – وإن بدا واضحاً لذوي الوعي والرؤية المستقبلية – والتعبيرِ عن رفضِ هذا الواقع وحقائقِهِ المرّة بالنقد والتحذير من استمرارِهِ وبالعزوف عن الاشتراك بالانتخابات ومقاطعتها، كما بدا جلياً وواضحاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وانتخابات مجالس المحافظات التي (أجريت) في 18 كانون الاول الحالي، رغم محاولات المستفيدين من تلك الانتخابات ومن نتائجها تبرير كل الأخطاء الكبيرة، التي ارتكبت قبلها وخلالها وبعدها من خروقٍ دستوريَّة وإضفاء المفوضية للكثير من الأخطاء والأرقام ومجانبة الصدق والشفافية المطلوب الالتزام بها حقاً لا إدّعاءً، وأهمّها طريقة الإعلان عن النتائج، وهي نسبة الـ 41 بالمئة بينما تشير معظم الاستطلاعات الى دونها بكثير، وذلك فضلاً عن ضرورة الانتباه وتفسير موقف أحد قادة بعض الكتل وقبل اجراء الانتخابات بأيام بأن النتائج محسومة رغم المقاطعة، وستكون أكثر من 40 بالمئة!! مثلما أعلنت المفوضية ذلك بابتهاج وتمكنها من الالتزام بما أوحي أو قيل لها بإعلان تلك النسبة دون زيادة أو نقصان!
إن واحدة من تلك المسائل، التي تؤكد مصداقيتها بالتشكيك بنزاهة تلك الانتخابات، هو الفرح العارم لوجوه اربعة محافظين سابقين تصدروا قوائم الفوز وآخرين ممن رشحوهم وفازوا لعضوية مجلس المحافظة، اذ لم يبرر أيٌّ منهم والمفوضية هذا الفوز بعدم قدرة انزه النزهاء – ان وجدوا – بمنافستهم ذلك أن وجودهم على رأس إدارة المحافظة، قد مكنهم من إغراء وشراء وتقديم خدمات مشروعة وخدمات زبائنية غير مشروعة لبعض جمهور المحافظة، وغير ذلك من أسباب، الأمر الذي لم يمكن اي منافسين لهم للفوز، وهذا يعني عدم توفر تكافؤ الفرص لكل المرشحين وتلك مثلبة ليست لصالحهم، ما كان لهم وللمفوضية الابتهاج بها.
ذلك التساؤل الكبير والمهم حول ما إذا كانت الانتخابات تمثل الأحزاب والجماعات السياسية أم الشعب العراقين قد أكدت عملياً وفي الواقع الاجابة عليه بأن الانتخابات لا تمثل الشعب العراقي واهدافه وتطلعاته، وانما تمثل الاحزاب والجماعات السياسية المهيمنة ومصالحها الشخصية والحزبية وطموحاتها بالإثراء السريع، وهو ما دفعهم ويدفعهم لمقاطعة تلك الانتخابات والعزوف عنها، والى فقدان الثقة بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة.
واذا كانت غالبية أبناء الشعب المقاطعة للانتخابات تعرف لماذا فقدت الثقة بالنظام، فإن القائمين على هذا النظام عليهم هم الاجابة على تساؤلات العراقيين ولماذا فقدوا الثقة بهذا النظام.
وبالطبع، فإن القول بأن نسبة كبيرة أو غالبية من العراقيين فقدت الثقة بالنظام لم يكن نتاج (مؤامرة) داخلية أو خارجية معادية للنظام، وإنما جراء الكثير من سياسات ومواقف وممارسات النظام وسلطاته الخاطئة، التي تدفع تلك الغالبية لفقدان ثقتها به.
ولعلَّ قول رئيس مجلس الوزراء في أحد خطاباته، إن حكومته تسعى لإعادة ثقة العراقيين بهذا النظام، انما يعني ضمناً، ولكن بوضوح شديد، باعتراف رئيس السلطة التنفيذية بهذه الحقيقة المرة.. وهذا يوجب ويتطلب ويلزم هذه السلطة معرفة أسباب انعدام الثقة لتجاوزها حقاً.
ومنها السعي الجاد والحقيقي لأن تكون الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات القادمة تمثل الشعب العراقي ومصالحه وأهدافه وليس مصالح ومطامع الأحزاب والجماعات السياسية المستحوذة على كل شيء في الدولة وعلى رأسها (القطط أو الحيتان السمان) المعروفة وغير المعروفة جيداً بعد.