مجالسُ المحافظات والبرلمان.. تمثّل الأحزاب أم الشعب ؟

آراء 2023/12/27
...

عبد الحليم الرهيمي

عنوان هذا المقال ليس من عندي، انما هو التساؤل الأثير الدائم للغالبية من الشعب العراقي. وأهمية هذا ‏التساؤل ودلالاته أنه يتكرر طرحه عند كل دورة انتخابية للبرلمان أو لمجالس المحافظات. وما يدعو تلك ‏النسبة العالية من العراقيين في طرح هذا التساؤل منذ الدورة البرلمانية الأولى عام 2006 حتى (الانتخابات) ‏الأخيرة لمجالس المحافظات.
فمنذ تلك الدورة لم تركز البرامج والشعارات وأهداف المرشحين لقضايا الشعب ‏الخدمية الصحية والتعليمية.. وغيرها، إنما على الانتماءات المذهبيَّة والدينيَّة والقوميَّة، التي مهدت لسيادة ‏واستحواذ الأحزاب والجماعات، التي تطرحها على الفوز بالمقاعد لقياداتها وانصارها دون أي فائدة أو مصلحة ‏للمنتمين إلى تلك الكيانات، التي تتحدث باسمها إلا شعارات شكلية أو تعبويَّة لا غير.‏
واذا كان (اكتشاف) هذه الحقيقة المرة والمؤلمة لدى جماهير تلك الكيانات قد جاء متأخراً – وإن بدا واضحاً ‏لذوي الوعي والرؤية المستقبلية – والتعبيرِ عن رفضِ هذا الواقع وحقائقِهِ المرّة بالنقد والتحذير من استمرارِهِ ‏وبالعزوف عن الاشتراك بالانتخابات ومقاطعتها، كما بدا جلياً وواضحاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ‏وانتخابات مجالس المحافظات التي (أجريت) في 18 كانون الاول الحالي، رغم محاولات المستفيدين من تلك ‏الانتخابات ومن نتائجها تبرير كل الأخطاء الكبيرة، التي ارتكبت قبلها وخلالها وبعدها من خروقٍ دستوريَّة ‏وإضفاء المفوضية للكثير من الأخطاء والأرقام ومجانبة الصدق والشفافية المطلوب الالتزام بها حقاً لا إدّعاءً، ‏وأهمّها طريقة الإعلان عن النتائج، وهي نسبة الـ 41 بالمئة بينما تشير معظم الاستطلاعات الى دونها بكثير، ‏وذلك فضلاً عن ضرورة الانتباه وتفسير موقف أحد قادة بعض الكتل وقبل اجراء الانتخابات بأيام بأن النتائج ‏محسومة رغم المقاطعة، وستكون أكثر من 40 بالمئة!! مثلما أعلنت المفوضية ذلك بابتهاج وتمكنها من ‏الالتزام بما أوحي أو قيل لها بإعلان تلك النسبة دون زيادة أو نقصان!‏
إن واحدة من تلك المسائل، التي تؤكد مصداقيتها بالتشكيك بنزاهة تلك الانتخابات، هو الفرح العارم لوجوه اربعة ‏محافظين سابقين تصدروا قوائم الفوز وآخرين ممن رشحوهم وفازوا لعضوية مجلس المحافظة، اذ لم يبرر أيٌّ ‏منهم والمفوضية هذا الفوز بعدم قدرة انزه النزهاء – ان وجدوا – بمنافستهم ذلك أن وجودهم على رأس إدارة ‏المحافظة، قد مكنهم من إغراء وشراء وتقديم خدمات مشروعة وخدمات زبائنية غير مشروعة لبعض جمهور ‏المحافظة، وغير ذلك من أسباب، الأمر الذي لم يمكن اي منافسين لهم للفوز، وهذا يعني عدم توفر تكافؤ ‏الفرص لكل المرشحين وتلك مثلبة ليست لصالحهم، ما كان لهم وللمفوضية الابتهاج بها.‏
ذلك التساؤل الكبير والمهم حول ما إذا كانت الانتخابات تمثل الأحزاب والجماعات السياسية أم الشعب العراقين ‏قد أكدت عملياً وفي الواقع الاجابة عليه بأن الانتخابات لا تمثل الشعب العراقي واهدافه وتطلعاته، وانما تمثل ‏الاحزاب والجماعات السياسية المهيمنة ومصالحها الشخصية والحزبية وطموحاتها بالإثراء السريع، وهو ما ‏دفعهم ويدفعهم لمقاطعة تلك الانتخابات والعزوف عنها، والى فقدان الثقة بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة.
‏واذا كانت غالبية أبناء الشعب المقاطعة للانتخابات تعرف لماذا فقدت الثقة بالنظام، فإن القائمين على هذا ‏النظام عليهم هم الاجابة على تساؤلات العراقيين ولماذا فقدوا الثقة بهذا النظام.‏
وبالطبع، فإن القول بأن نسبة كبيرة أو غالبية من العراقيين فقدت الثقة بالنظام لم يكن نتاج (مؤامرة) داخلية أو ‏خارجية معادية للنظام، وإنما جراء الكثير من سياسات ومواقف وممارسات النظام وسلطاته الخاطئة، التي تدفع ‏تلك الغالبية لفقدان ثقتها به.‏
ولعلَّ قول رئيس مجلس الوزراء في أحد خطاباته، إن حكومته تسعى لإعادة ثقة العراقيين بهذا النظام، انما ‏يعني ضمناً، ولكن بوضوح شديد، باعتراف رئيس السلطة التنفيذية بهذه الحقيقة المرة.. وهذا يوجب ويتطلب ‏ويلزم هذه السلطة معرفة أسباب انعدام الثقة لتجاوزها حقاً.
ومنها السعي الجاد والحقيقي لأن تكون الانتخابات ‏البرلمانية ومجالس المحافظات القادمة تمثل الشعب العراقي ومصالحه وأهدافه وليس مصالح ومطامع الأحزاب ‏والجماعات السياسية المستحوذة على كل شيء في الدولة وعلى رأسها (القطط أو الحيتان السمان) المعروفة ‏وغير المعروفة جيداً بعد.‏