د. صادق كاظم
انتهت انتخابات مجالس المحافظات وإن كانت بنسبة مشاركة تعدُّ الأقل على مدار المشاركات الجماهيرية في مثل هذا النوع من الانتخابات، وهي نتيجة تبدو طبيعية قياسا الى المرارة التي عانى منها المواطنون من الأداء الفاشل والهزيل لمجالس المحافظات السابقة، والتي انتهى دورها مع اندلاع التظاهرات التشرينية الاحتجاجية كرد فعل طبيعي على الأداء السيئ لمجالس المحافظات تلك.
لقد كانت الغاية أساسا من تنبني فكرة اقامة مجالس المحافظات وتشكيلها على أساس الانتخابات بأن تكون أنموذجا جديدا في الادارة اللامركزية، التي تعمل على تجاوز مفاهيم نظم الادارة المركزية المتبناة في العراق منذ السنوات الاولى لتشكيل النظام الملكي في العراق في العام 1920 تحديدا، حيث سار العراق بعدها نحو مفهوم المركزية الشاملة وتحكم المركز بالأطراف، والتي ظلت ملاصقة لطبيعة النظم السياسية التي أدارت العراق منذ ذلك التاريخ حتى العام 2003.
لم تستطع مجالس المحافظات السابقة التي تشكلت لعدة مرات أن تحدث فارقا واضحا في المستوى الخدمي والعمراني لتلك المحافظات بسبب هيمنة الاحزاب عليها من جهة وخوضها لصراعات انعكست على ادائها الفقير والمعدوم من الإنجازات من جهة أخرى ولكون معظم الاعضاء المنتخبين الذين خرجوا من معطف الاحزاب كانوا من الشخصيات الفاسدة والضعيفة، التي تورطت في أعمال الفساد والمقاولات غير المشروعة، التي قادت في النهاية إلى نتائج كارثية جعل من تلك الادارات نماذج فاشلة تبرّأ الجميع منها.
الاحزاب الفائزة في الانتخابات حتما قد قامت بدراسة التجارب السابقة ووصلت الى قناعة حتمية بأن إعادة انتاج الأنموذح السيئ السابق وإعادة تسويقه مجددا لا يبدو منطقيا أو صحيحا وفي حال استمرار الفشل فان ذلك سيقود الى نتائج كارثية قد لا تسلم منها البلاد هذه المرة، خصوصا أن الأحزاب، التي شاركت في الانتخابات قد رمت بكل ثقلها فيها.
الاحزاب الفائرة تطمح إلى إقامة مجالس منتخبة جديدة، وفق نمط مغاير وهي تعي جيدا بأن المفاهيم والأمزجة الشعبية قد باتت مختلفة هذه المرة، ونظرة المواطن واحتياجاته قد اختلفت، وهناك رغبة كبيرة بأن يكون الاداء مغايرا، فالمحافظات بضمنها العاصمة بغداد تحتاج إلى خارطة إعمار ومشاريع خدمية كبيرة، وهي تنتظر ان تكون هناك مشاريع جادة ورصينة لتنفيذها من أجل اقناع المواطنين بجدواها وتجربة مشاريع فك الاختناقات المرورية شاهد على ذلك.
بغداد تنظر مشروعا ضخما للمترو وجسرا جديدا يقام على نهر دجلة يجمع بين طرفي الكرخ والرصافة ومجمعات سكنية لأصحاب الدخل المحدود من موظفي الدولة وسيارات جمع القمامة تأتي يوميا إلى الأزقة، فضلا عن مشروع كبير لتدوير النفايات التي باتت تحاصر أطراف العاصمة وتخنقها وتهدد سكانها بالمرض.
بغداد لا تزال تنتظر المزيد من المستشفيات والمدارس والأسواق العصرية والشوارع العريضة والنظيفة، والحال تنطبق على المحافظات، التي لا تختلف معاناتها عن باقي مناطق العاصمة، بل يمكن القول إن المشكلات واحدة والمعاناة نفسها تتوالد وتستمر بطريقة متشابهة.
قد لا تملك مجالس المحافظات العصا السحرية لحل هذه المشكلات والمعاناة والهموم دفعة واحدة، ولكن إن أديرت ونظمت بطريقة جديدة، يدرك القائمون عليها بأن النزاهة والشفافية والانجازات على الأرض تعدُّ المعيار الاساسي للعمل وهو من بقطع تذكرة المرور نحو استمرار التجربة، وعدم تكرار سيناريو الفشل السابق.