صحافة صانعة للحدث

ثقافة 2019/05/19
...

صلاح حسن السيلاوي
 
لم تعد المهمة التقليدية للصحافة الثقافية تجدي نفعا في ظل تطور وتسارع نظم الحياة، الصحافة التي تعتمد على نقل الخبر والتعليق عليه، او التساؤل بخصوص مشكلات معينة ، لم تعد ذات وظيفة مؤثرة جداعلى الرغم من ضرورتها كجزء من العمل.
الصحافة الثقافية برأيي هي تلك التي تتسلل في أرواح الناس عبر تطوير خطابهم الإبداعي، فتصنع الحدث الثقافي أو تشترك في إنتاجه ، من هنا يمكن التساؤل عما قدمته الصحف من  تأثير في المشهد الإبداعي ونحن هنا لا نطالبها بالمستحيل في خضم ما يعصف بحياة العراقيين ولكن تساؤلنا مشروع على ضوء الممكن من تحقيق الحلم.
من المحزن ان نكتشف بسهولة أن الصحافة لم تحدث تغييرا ثقافيا مهما على حياة الفرد. لأنها حتى الان لم تفعل سوى نشر ما تقوله الجهات المختلفة بالتوجهات ، اي انها استثمرت المتاح من الحرية ولم تصنع لها أفقا خاصا داخله بدليل انها لم تمتلك  القدرة على تغيير ما تنتقده من تردي في مجالات كثيرة فهي لم تؤثر على خطاب الاغنية العراقية التي وصلت الى مراحل كبيرة من السوء، كما لم تؤثر في تطوير الدراما ولم تبدِ موقفا مهما من ترديها
الواضح .
 لم يكن لها دور مهم في اكتشاف نجوم الشعر او القصة او الرواية ، بل لم تصنع نجوما في الصحافة ايضا، لم يعرف القراء نجوما صحفيين صنعتهم صحفهم فأثروا عبر مقالاتهم وتحقيقاتهم واخبارهم بالمجتمع. من هنا نستطيع ان نقول بغياب الصحافة الصانعة للحدث الثقافي، المؤسسة لدعم الفعاليات الإبداعية .
 أما الحديث عن الصباح التي تمر بذكرى تأسيسها فيمكن أن يأخذنا إلى إحصاء كثير من حسناتها ، مشاريع ثقافية متميزة ولكنها لم تستمر طويلا منها إصدار مشروع جريدة في كتاب ، وسلسلة من الكتب المعنية بالادب والشعر والفلسفة والابداع بشكل عام  ومشاريع مستمرة  كالملاحق الاسبوعية الخاصة بمجالات وشرائح اجتماعية متعددة . ومن حسناتها أنها واجهت كثير من  الجهات المتطرفة  وكانت نتيجة ذلك قائمة طويلة جدا من شهداء الكلمة، فضلا عن تعرض صحفييها لكل ما وقع على ابناء العراق من تهديد أو تهجير أو قتل وقد استهدفت بنايتها بسيارتين مفخختين أدتا الى دمار كبير  واستشهاد وجرح عدد من صحفييها.
لم تصمت الجريدة منذ تأسيسها في  17 / 5 / 2003 حتى الان على الرغم من الظروف العاصفة التي شهدتُ كثيرا منها بأم عيني كوني موظفا فيها منذ 
20 / 5/  2004 حتى الان .  استطلعت ثقافية الصباح عددا من اراء
كتابها.
ثقة المواطن 
في وضع ملتبس كالذي مر على العراق خلال السنوات الماضية وترك اثاره السلبية على المستويات الامنية والسياسية والاجتماعية، قال عمر الدليمي، تبرز الحاجة الملحة للأعلام الاحترافي الذي يتمسك بالهوية الوطنية والانسانية ويغلبها على جميع التفرعات الاخرى نظرا لما للأعلام من دور اساسي في صياغة الراي العام وتوجيهه ، ومن هنا تأتي اهمية جريدة الصباح كمنبر ملتزم بالقضايا الوطنية مدعوما بكفاءات متمكنة من ادواتها حائزة على اعلى سمات الاحترافية ما جعل هذا المنبر الاعلامي يحوز على ثقة المواطن حتى باتت جريدة الصباح المصدر الاساسي للخبر وهذا متأت من التوجه الوطني والانساني البحت الذي قامت عليه الصحيفة منذ تأسيسيها فضلا عن اعتمادها على الكفاءات المخلصة لهذا التوجه. 
وعلى الرغم من هذه الميزات فقد ركز القائمون على هذه الصحيفة على الجانب الفني لإخراج الصحيفة بأبهى حلة متنوعة الابواب شاملة لكل ما يعني المواطن على اختلاف مشاربه وتنوع اهتماماته وهذا ما منحها القدرة على المنافسة لوسائل الاعلام الاخرى من بث فضائي واليكتروني ولتحجز مكانها المرموق كأحد ابرز المنابر الاعلامية العراقية .
 
يقظة من سبات طويل 
ما زلت، والكلام هنا لعلي الاسكندري، اتذكر بوضوح كيف كنا ننتظر صحافة العهد الجديد بعد غروب دولة الخوف وتلاشي رموزها وادبياتها وصحفها المحصورة بين عدد من الكتاب والمواظبين على المديح وتلميع صورة الواقع المؤلم انذاك  واقول الحق لقد كان صدور الاعداد الاولى لجريدة الصباح  وغيرها من صحف المرحلة الجديدة اشبه  بالصدمة التي ايقظتنا من سبات طويل ونحن الذين عشنا وترعرعنا في ظل صور القادة ( العظام ) وهي تتصدر الصحف والمجلات والنقود وتعلق في دوائر الدولة وكتب المدرسة ليس في حقبة البعث فحسب بل منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة ..
 اضف الى  ذلك طبيعة المادة الخبرية او اﻻعلامية او الثقافية التي كانت تطرحها الصباح  لقرائها من حيث صدقيتها وجرأتها والتي اسست لثقافة اعلامية لم نعتد عليها طيلة عقود مليئة بالردح والشعارات واذا كانت بوادر الافول لعصر الصحافة الورقية قد بدأت اشاراتها  بينة  في الافق فلسوف تبقى صحيفة الصباح هي المنبع الاول الذي نهلت منه الصحافة العراقية مابعد 2003 . 
بقي هنالك مقترح اعتقد بأهميته للمجتمع والأجيال القادمة وهو مشروع اشاعة الثقافة بين انسجة المجتمع من خلال تولي الصباح طبع كتيبات مجانية صغيرة وتوزيعها مع  الجريدة خاصة وان هنالك امكانيات مادية وطباعية التي تتوفر للنهوض بمثل هكذا مشروع وهو مشروع سبق لصحيفتنا الرائدة ان نهصت به سابقا نتمنى للصباح التوفيق الدائم 
والسؤدد .
المنبر الصحفي الأبرز
يرى الكاتب عبد الامير المجر ، ان جريدة الصباح، تمثل اليوم المنبر الصحفي الابرز في العراق، بعد ان تراجعت العديد من الصحف الاخرى، مايجعلها امام مسؤولية مضاعفة، لاسيما انها تحظى بدعم الدولة، ووجود كفاءات ذات خبرة طويلة في العمل الصحفي، بالاضافة الى كونها تتميز بسعة ابوابها، وتسليطها الضوء على معظم الفعاليات الحياتية في البلاد، الامر الذي جعلها الاكثر استقطابا للكتاب من مختلف التوجهات، اذ تستطيع ان تلمس التنوع النسبي للافكار من خلال مقالات الراي والابواب الاخرى ..  ولمناسبة الذكرى السنوية لصدورها نجد من الضروري ان نضع بعض المقترحات امام المسؤولين، منها، ان يكون هناك ملف شهري او فصلي للدراسات الستراتيجية، يعنى بقراءة المشهد السياسي في العراق والمنطقة والعالم، وان تعقد الصحيفة ندوات فكرية شهرية، تحت مظلتها وتحت أي مسمى تختاره، بغية تفعيل دورها وطنيا واقليميا.. 
وايضا ان تصدر ملفا يعنى بالثقافة باشكالها المتعددة وليس الادب وحده، وان يكون بعنوان (ملف الصباح الشهري او الفصلي) يعنى بالدراسات الطويلة التي لاتستوعبها الصفحات اليومية. 
وان تهتم اكثر بثقافة الطفل.
 
جائزة الصباح للرواية 
يسعدني أن أطرح بعض المقترحات التي أرى أنها ستضيف جديداً لمسار الصباح وإنجازاتها، قال جابر خليفة جابر، وأول مقترحاتي هو التأسيس الرسمي ، ووفق قواعد رصينة لا تسمح بالإلغاء او التلكؤ، لجائزة كبرى في الرواية المكتوبة بالعربية باشتراطات وموجهات تعزز الهوية الوطنية العراقية وتعزز وحدته الاجتماعية وتشيع روح السلام بين مكوناته المتنوعة بعيدا عن كل أشكال التعصب، ولا شك أن لكل جائزة معروفة حاليا ايديولوجيا تتحكم بها وبالروايات الفائزة فلتكن ايديولوجيا جائزة الصباح للرواية هي ايديولوجيا حب العراق من وجهة نظر كل العراقيين وليس بتبني وجهة نظر احادية تقصي تطلعات الأطياف الأخرى، وباختصار وجهة نظر عراقية جامعة تنتمي لكل العراق وأهله، ومع الترويج الإعلامي لها وتخصيص مكافأة مجزية والتعامل العالي بالمصداقية المهنية اتوقع لها ان تكون الجائزة الأكبر 
عربيا..
واقترح ايضا اتباع سياسة مشابهة في ما ينشر من مواضيع ومقالات ونصوص أدبية وهذا متبع الآن وبوضوح إنما أذكره للتأييد والمساندة. 
واقترح التوسع في الاهتمام بالسينما واستقطاب السينمائيين العراقيين الشباب وفقا لمنهج الصباح الوطني وحتى تبني اعمالهم أو الاحتفاء بهم وهكذا بقية المجالات.