السنة الجديدة وحروب العالم

قضايا عربية ودولية 2023/12/27
...

علي حسن الفواز

تقترب سنة 2023 من النهاية، لكنَّ العالم لم يُنه حروبه، ولم يضع فكرة السلام التي تحدّث عنها السيد المسيح كثيراً في سياق استهلاكه لقيم السياسة والأمن والاقتصاد والاجتماع، فما زالت الحروب مفتوحة، واليد "الغرب أميركية" تفرض عنفها، وتواصل صناعاتها البشعة للهيمنة، ولأدلجة سرديات المركزية الغربية. الحرب في أوكرانيا وفي السودان، وفي الصومال، والانقسامات في ليبيا وفي اليمن، والعدوان الوحشي على غزة، مظاهر تكشف عن حروب الكراهية والعنف، وعن سوء إدارة العالم، وفشل المنظمات الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية وغيرها في التعاطي مع ما يحدث من جرائم دولية، ومن سياسات لا تقلّ عنفاً عن تلك الحروب.وسط هذا "الخراب" تبدو أسئلة السلام وكأنها مفارقة، وربما تحمل شيئاً من الفنطازيا، فصناعة الحرب هي الوجه الآخر لصناعة السياسة، وتغذية الحرب بأسباب العنف تكشف عن حروبٍ أكثر سخونة وتعقيداً، حيث حرب الإيديولوجيا، وحرب السيطرة على التجارة، وحرب السيطرة على الممرات المائية، وحرب الفيروسات، وبهذا نجد أنفسنا أمام واقع يبحث عن حكماء، وليس عن جنرالات يتوهمون فرضية كراهية الآخر، والنزوع إلى تحويل الحرب إلى ممارسة فاضحة في قتل السلام ذاته، وأحسب أنَّ ما يحدث في قطّاع غزة من جرائم مفتوحة، ومن عسكرة لا تنفصل عن "مركزية الغرب" يرسم أفقاً أسود للحديث عن الإدارة البشعة للعالم، وعن قيم مساوئ "العولمة" وعن "الحداثة المسلحة" و"الإيديولوجيا القاتلة" فالقتل الصهيوني الممنهج للشعب الفلسطيني، هو تكريس لغرائبية ذلك الأفق، ولطبيعة السياسات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، التي تفترض معياراً غرائبياً لثنائية "النصر والهزيمة" وتضع العدوان الصهيوني في سياق البحث عن "نصر" دموي على حساب شعبٍ يتوق إلى حريته واستقلاله وحقوقه الإنسانية..نهاية السنة 2023 لا تعني استشرافاً لسنة بيضاء، ولا لحلول آمنة للشعوب التي تعاني توحش الحروب، بل تعني بحثاً عن "قوة أخرى" هي قوة الشعوب، وبقدر ما يبقى هذا الخيار مثالياً، لكنه يظل رهاناً إنسانياً على الحق، وعلى قدسية السلام، وعلى عظمة ما تحمله الأديان السماوية من شرائع يتجوهر فيها الإيمان بالعدالة والفضيلة، ولعل ما يحدث في العديد من الدول من احتجاجات وتظاهرات ومواقف، ومن رفضٍ عميق لسياسة الكراهية والقتل والعنصرية، يؤكد أهمية تحويل هذه الفاعليات إلى قوة إنسانية وأخلاقية لمواجهة رعب المركزيات، ولتوحش الإيديولوجيا العنصرية المسؤولة عن صناعة حروب العالم البشعة.