مؤيد أعاجيبي
عادة ما يعرف الحبّ هو احتياج إنسانيّ عظيم يكاد يكون مترابطاً بشكل لا يتجزأ مع فهمنا لمعنى الحياة. تظهر تعدد أوجه الحبّ وأنواعه بوضوح بحسب المراحل التي يمر بها الإنسان خلال رحلته الحياتيّة، بالإضافة إلى تأثير الظروف المحيطة التي يواجهها منذ الطفولة. على سبيل المثال، يبدأ الإنسان رحلته بالتعبير عن حبّه لوالديه وارتباطه بهما، يليه الحبّ الأخوي الذي يتشكل مع أصدقائه، وفيما بعد يظهر الحبّ تجاه الجنس الآخر وهو ما يعبر عنه أرسطو بأنّه علاقة جسَدَين بروح واحدة.
أن العلاقة التي يتحدث عنها أرسطو في تعريفه السابق للحب لها أصل أسطوري قديم، والتي يرويها لنا أرستوفانيس، أن الإنسان كان يمتلك في البداية أربع أذرع وأربع أرجل، ورأساً واحداً يحمل وجهين. كانت لديهم قوة هائلة وبدأوا في تهديد الآلهة بالغزو. استجابت الآلهة لفكرة تدمير البشر باستخدام البرق، لكنهم في هذه الحالة سيفقدون الخدمات التي يقدمونها للآلهة. وفي هذا السياق، قدم زيوس حلاً يكون عقوبة لكبرياء البشرّة، وذلك عن طريق تقسيم أجساد البشر إلى نصفين. وكجزء من هذه العقوبة، تمت زيادة عدد البشر الذين سيقدمون تحية وخدمة للآلهة. وكانت هؤلاء الأرواح البشرية في حالة بؤس مطلق، حتى أنهم لم يأكلوا إلى حد الهلاك في عملية انفصالهم عن بعض. لكن بفضل تدخل الإله أبولو، تمت إعادة تشكيل أجساد البشر. وبعد ذلك، صار لكل إنسان مجموعة واحدة فقط من الأعضاء التناسلية، وبهذا سيكون لديهم القدرة على البحث عن النصف الآخر من روحهم. وعندما يجد الإنسان نصفه الآخر، ينشأ تفاهم فوري بينهما، ويشعران وكأنهما واحد. ويعيشون فرحاً لا يضاهى.وفي مكان آخر نجد في فلسفة أرسطو تعريفاً آخر للحب. يُعد أرسطو الحب أسطورة غامضة لا تُفهم بسهولة. يقوم أرسطو بفهمه للحب استناداً إلى فهمه للطبيعة البشّة، حيث يرى أن الإنسان يتوق إلى الخلود، وبالتالي، يخلد الإنسان مع أعظم مشاعره بواسطة الحب. لذا، يرى أرسطو أن الحب لا ينتهي، وإذا انتهى، فإنه لم يكن حباً. يشير أيضاً إلى أنّه من الصعب فهم الحب، لأنه ليس حالة قابلة للجدل، بل هو قضاء يتسارع فيه الجميع. والحب في رأي أرسطو يشبه الموت، حيث يدرك الناس غريزياً، من خلال أجسادهم وعلاقاتها، وفقًا لنظام الطبيعة، أنهم سيجدون أنفسهم في النهاية يُسحَبون نحو الحب الذي سيجمع أجسادهم في النهاية. والذي يظهر كمفسر للطبيعة، وككشاف عن قوانينها وأسرارها أيضاً.
يعتبر أرسطو الحب أمراً ضرورياً للحياة الإنسانيّة، حيث يشير إلى أن العواطف، بكل أشكالها، ليست سهلة وعفوية كما يحلم الكثيرون، بل هي مسألة تتطلب مثابرة وجهداً. يبدأ أرسطو حديثه حول المجتمع البشريّ بالحديث عن “الشراكة الأولية والأكثر فطريّة”، وهي الشراكة الزوجية، التي يصفها بأنها “شكل مكثف للغاية من أشكال الصداقة”. يفترض أرسطو وجود زوج وزوجة من جنسين مختلفين، يتحدان معاً من أجل الدعم المتبادل في مجالات يتمم فيها كل منهما الآخر. يتصوّر أرسطو الزواج كوحدة تجمع بين الجنسين، حيث يتحدان معًا لتحقيق التكامل في مجالات متعددة. يشدد على أهمية وجود الزوج والزوجة بالنسبة لبعضهما البعض، سواء في سياق دعمهما المتبادل أو في سياق التكاثر البشريّ. يُوضح أرسطو أن الأنثى لا تستطيع تحقيق التكاثر بمفردها، وبالمثل، الذكر لا يمكنه ذلك أيضاً، مما يجعل الإتحاد بينهما أمراً ضرورياً. وهنا لابد من الإشارة إلى بيان مصطلح الإيروس الذي يُستخدم عادةً للدلالة على الحب الذي يتسم بالرغبة الشديدة نحو شيء ما، وغالباً ما يُربط بالرغبة العاطفية أو الشغف الجنسي. في حين أرسطو يركز على الحب النفعي، مثل الحب الذي يتعلق بالتناسل أو الحب الاجتماعي الذي يحدث بين الأصدقاء، ويُعرف الحب الاجتماعي بأّه الحب الذي يسعى للنفع المتبادل والاستقرار الاجتماعي. دون أن يناقش الارتباطات المثلية، إلا أنه يتفق مع خطاب أريستوفانيس في “المأدبة” لأفلاطون حول تقسيم البشر إلى ثلاثة أنواع من الأزواج ترتبط جنسياً، دون إدانة أياً من هذه الأنواع بحد ذاتها. وكذلك بقبوله قصة الحب الرومانسي بين الزوجين المثليين فيلولاوس وديوكليس، مُظهراً تفهماً لتنوع أشكال العلاقات الإنسانية. بعد محن كثيرة، يستقر هذان العاشقان بسكينة في مقابر مجاورة على مشارف مدينة ثيفا، أو طيبة الإغريقية. فالقواعد الصارمة والجامدة قليلة في فلسفة الأخلاق الأرسطية، إلا أن أرسطو يعتبر الزنا غير مقبول على الإطلاق. يعزو ذلك إلى أنّ خيانة الشريك تؤدي إلى تآكل الثقة بسبب الحب، التي تُعتبر أساساً لأي صداقة قوية ومستدامة. يؤكد أرسطو أن الزنا يُعدّ من الأفعال البغيضة والمكروهة عند الجميع، بشكل مماثل للسرقة والقتل. يقول: “فالصواب والخطأ في هذه الحالات لا يعتمد على الظروف؛ فمجرد القيام بمثل هذه الأشياء يعتبر خاطئاً لذاته.» بمعنى أرسطو يقدم العديد من النصائح غير المباشرة حول الزواج أو شراكة العمر، حيث يرى أن كل ما يُقال عن الصداقات الحميمة ينطبق بالمثل على الزواج. يشير إلى أنّ الزواج لا يختلف عن علاقات الصداقة الأخرى إلا في شدته واستثماره في تربية الذرية
المشتركة.