عمان: يعرب السالم
ما أن تصل عمان للمرة الأولى وتسأل أي سائق أجرة أن يقودك إلى أي معلم تاريخي في الأردن، فإنه سيتجه بك فوراً الى المدرج الروماني الذي يقع في وسط العاصمة في جزئها الشرقي على سفح جبل الجوفة مقابلا لجبل القلعة. وتشير الدراسات التاريخيَّة الى أن القائد الروماني أنطونيوس بيوس هو من بنى المدرج قبل 1800 عام، وكان بمثابة مكان للمبارزة بالسيوف بين المجالدين الرومان الذين عرفوا بالقوة والبأس. فضلا عن أنه كان في تلك الفترة يعد مكاناً للخطابة يتلقى فيه الناس الأوامر والتعليمات الإمبراطوريَّة.
بُنِيَ المدرج مستفيداً من فنون العمارة الرومانيَّة على شكل نصف دائرة ومن كتلٍ حجريَّة وصخريَّة ضخمة، ومقسم إلى (44) صفاً يحتوي على 6 آلاف مقعدٍ على شكل مدرجات بارتفاعات متساوية المساحات.
وقد كان في تلك الفترة يمتلئ بالناس وهم يشاهدون العروض القتاليَّة الرومانيَّة التي تمثلُ القوة.
ويعدُّ المدرج الروماني الذي يُزين وسط العاصمة عمان أو «يوردانيم» وهو الاسم الإغريقي للأردن من أعظم المعالم الأثريَّة في منطقة بلاد الشام في تلك الفترة، وما زال حتى وقتنا الحاضر علامة وأثراً شاخصاً وقبلة لجميع السياح الذين يعشقون الآثار وتتبع حياة الشعوب من الباحثين والمهتمين.
يحتضن المدرج الروماني في داخله متحف الحياة الشعبيَّة الأردنيَّة التي تعكس بدايات التعلم للإنسان في استخدامه أدواتٍ بدائيَّة في الزراعة وكذلك الأواني النحاسيَّة والفخاريَّة المستخدمة في تلك الفترة، فضلاً عن الخيم والسجاجيد المصنوعة من وبر الماعز والملابس بألوانها الزاهية التي تصنع من صوف الأغنام والمسابح الخشبيَّة وأدوات الطهي والزينة الحجريَّة والفضيَّة والنحاسيَّة، وهناك في ردهات أخرى عرضٌ لأدواتٍ زراعيَّة بدائيَّة وأسلحة قديمة يكسوها الغبار، علاوة على الصناعات التراثيَّة الشعبيَّة التي بقي قسمٌ منها حتى وقتنا الحاضر مثل صناعة السجاد والبُسط والفخاريات المنزليَّة المتنوعة التي كانت تستخدم حينذاك.
أحمد الخطيب يذكر لـ»الصباح»، أنَّه «من الرواد الزائرين للمدرج الروماني فقد حضر إليه مع والده عندما كان صغيراً، واليوم هو يحضر مع أولاده ليُعرفهم على هذا المعلم الأثري المهم، وكذلك زيارة متحف الحياة الشعبيَّة كي يتعرف أولاده كيف عاش أجدادهم في ربوع المملكة مستخدمين أدواتٍ بسيطة أصبحت من التراث».
حامد خالد بائع كتب على الرصيف الموازي للمدرج يقول: «أنا أعتمد في بيع الكتب على الزوار والسياح الذين يأتون للمدرج الروماني وأغلبهم من السياح الأجانب والعرب وهم في الغالب يطلبون كتيبات تعريفيَّة عن المدرج وصوراً متنوعة عن الحضارة الرومانيَّة المتواجدة في مناطق متعددة من الأردن، وأنا أقوم بتوفيرها، وهناك طلبٌ كبيرٌ على الكتب التي تتحدث عن السياحة في الأردن».
كريم غلاب زائر آخر يقول: «أنا مهندس معماري سوري وجئت الى هنا للتعرف على فن العمارة الحجريَّة التي برع فيها الرومان في بناء القلاع والمدارج بشكلٍ هندسي يتصفُ بالإبداع، ويعكسُ اهتمامهم بفن العمارة.
فلقد اشتهر الرومان ببناء القلاع الكبيرة في كل البلدان التي سيطروا عليها، وكانوا يهتمون بضخامة تلك القلاع لأنها تعكسُ قوتهم، وما وصلوا إليه في اتساع إمبراطوريتهم التي بلغت مساحات واسعة، والمدرج الروماني شاهدٌ على ذلك.
كما أنها فرصة لزيارة متحف الحياة الشعبيَّة الأردنيَّة الموجود أسفل المدرجات لاكتساب الخبرة ومعرفة تاريخ الحياة الشعبيَّة للناس في الأردن، وكيفيَّة تلاقحها مع الحياة القريبة منها في المنطقة من حيث الزراعة والصناعات البدائيَّة».
اليوم اختلف الأمر مع المدرج الروماني فلم يعد مسرحاً للمبارزة، بل تحول الى مكانٍ تعرض فيه المسرحيات أو تقام فيه الحفلات الغنائيَّة الموسيقيَّة الشعبيَّة والفعاليات الاجتماعيَّة، أو السفرات الجامعيَّة لطلاب قسم الآثار وغيرهم، فضلاً عن العديد من المهرجانات والمناسبات الثقافيَّة في الأردن.
وذلك للترفيه عن النفس وتسلية المواطنين وخلق أجواء الفرح، إلى جانب نشر الوعي الثقافي للتعريف بأهميَّة الحضارات الأخرى. كما أنه منطقة راحة واستجمام لسكان عمان، إذ تكثر زيارته في أيام العطل.