مختصون: وجود نظام ضريبي متوازن يحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية

اقتصادية 2023/12/31
...

 بغداد: عماد الامارة

يمثل النظام الضريبي، مرتكزا اقتصاديا مهما من شأنه تحقيق مبدأ العدالة والمساواة بين الناس، فضلا عن دوره في دعم الموازنات المالية وتوزيع الدخل والحد من عمليات الفساد، الأمر الذي دعا العديد من المختصين في الشأن الاقتصادي، إلى التأكيد على أهمية إجراء إصلاحات ضريبية واسعة تتلاءم مع الواقع الاقتصادي في البلاد، مبينين أن الضرائب لا تلعب في الوقت الحالي دورا كبيرا في تعظيم الإيرادات غير النفطية أو في إعادة توزيع الدخل.

ويسعى العراق إلى إحداث نقلة واسعة في العمل الضريبي، عبر إجراء جملة إصلاحات تم الكشف عنها خلال مؤتمر الإصلاح الضريبي الذي عقد مؤخرا في بغداد، والذي أكد فيه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أن “الإصلاح الاقتصادي، الذي حُدد أولويةً أساسيةً في البرنامج الحكومي، لم يكن شعاراً، وإنما هو هدف مرحلي جاء من خلال قراءة واقعية ونتيجة حتمية للمشاكل والتحديات التي يواجهها المجتمع العراقي، وأغلبها ذات جذور اقتصادية” موضحا أن “الإصلاح الضريبي يمثل رسالة مهمة للمستثمرين المحليين والأجانب والشركات والمنظمات الدولية، بجدية الحكومة في ترميم بيئة الأعمال، وإصلاح الأنظمة والتشريعات، وتأهيل البناء المؤسسي، ليكون أكثر جذباً للاستثمار والإنتاج والتشغيل».
وأشار السوداني، إلى أن “الإصلاح الضريبي كان حاضراً في كل اللقاءات مع رجال الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب، وان تنفيذ الإصلاح يتطلب إصراراً وعزيمةً وتشخيص الخلل واتخاذ القرارات الجريئة”، مبينا أنه وعلى “الرغم من الصعوبات التي تبدو على المستوى المتوسط والبعيد، لكننا سنصل إلى مرحلة يشعر فيها المنتج والمستهلك والمستثمر بحالة من القبول والرضا، بعد تحقيق العدالة، ونأمل أن تدعم توصيات المؤتمر التشريعات والبنى التحتية، واعتماد نظام محوكم ومؤتمت يقضي على حالة الابتزاز».
وكشف رئيس الوزراء خلال المؤتمر، عن أن “ بيانات وزارة التخطيط، تؤشر استيرادات بقيمة 42 مليار دولار، من آلات وسلع ومنتجات، غير أن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تبين وجود استيرادات بـ 16 مليار دولار، ما يعني أنّ 26 مليار دولار لم تخضع للرسوم الجمركية والضريبية».
وخرج المؤتمر، بجملة توصيات حينها، أبرزها “السعي لتشجيع الشركات المحلية على تسديد جميع الضرائب المستحقة والمتعلقة بهذه الشركات من خلال إطفاء الغرامات والفوائد المتحققة بذمتها شريطة أن تسدد أصل الضريبة المستحقة، وتقديم مقترح لإطفاء 50 % من الغرامات والفوائد المتحققة على الشركات الأجنبية، لاسيما الشركات النفطية، شريطة تسديد أصل الضرائب المستحقة كخطوة أساسية مهمة، لاتباع سياسة تصفير المشاكل، فضلا عن السعي لحل مشكلة تشابه الأسماء، وهي مشكلة قائمة وسابقة، وذلك من خلال إلغاء جميع الأسماء الثنائية التي زودت بها الهيئة العامة للضرائب سابقاً، وإعادتها إلى الجهات الرسمية لإكمالها وإضافة الاسم الثلاثي أو اسم الأم أو الزوجة أو تاريخ التولد».
الأكاديمي والباحث الاقتصادي، الدكتور عبد الكريم العيساوي، أشار خلال حديثه لـ”الصباح” إلى أن “الاقتصاد العراقي يتصف بالريعية المطلقة تماما، إذ تهيمن العائدات النفطية بنسبة 96 بالمئة على إيرادات الدولة الإجمالية، بالمقابل فإن الإيرادات غير النفطية تمثل الجزء الأصغر من إجمالي الإيرادات، فهي تعتمد على الضرائب والرسوم، وبالتالي تعد ثانوية وبنسب متدنية».
ويرى العيساوي، أن “هيمنة العائدات النفطية على الموازنة العامة، ناجمة بالدرجة الأساس عن السياسات الاقتصادية وما تضمنته من فتح باب الاستيراد للسلع والخدمات من الخارج وإلغاء الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى تعددية النظام الضريبي في العراق من حيث الضرائب المباشرة وغير المباشرة، الذي يتسم بالجمود، كذلك صعوبة تحديد القاعدة الضريبية، ما يؤدي إلى زيادة التهرب» .
وتابع العيساوي، أن دفع الضرائب مسؤولية وطنية لابد للمكلف من القيام بها حين يخضع إلى ضوابطها، والواجب الوطني يحتم على المواطن دفع الضريبة عن طبيعة الأعمال التي يقوم بها من خلال الإفصاح والتحاسب السنوي، وعندما تمتلك دولة ما نظاما ضريبيا متوازنا وشاملا، تتحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية من خلال تعظيم المنافع الحدية للدخل.
من جانبه قال المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور عدنان بهية في حديث لـ”الصباح”: إن “الضرائب تعد مصدرا مهما للعائدات بالنسبة إلى العديد من دول العالم، لاسيما الدول التي تعتمد مبدأ اقتصاد السوق أو النظم الرأسمالية، إذ يكون العائد الضريبي هو الممول الرئيسي للخدمات وبناء البنى التحتية والترفيهية للمواطنين”، مبينا أن “المبدأ الأساسي للضرائب، أنها مبنية على أساس الدفع مقابل الخدمة التي يتلقاها المواطن تجاه ما يدفعه من ضرائب، لذا فإن الحكومة يجب أن تكون شفافة في ما تجنيه من ضرائب وما تقدمه من خدمات محسوسة على الأرض، مثل البنى التحتية والخدمات البلدية وإنشاء الشوارع والمتنزهات والماء والكهرباء، أو الخدمات غير المحسوسة مثل تشجيع المنتج الوطني أو زيادة وتنويع فرص العمل والتنويع الاقتصادي وغيرها، فضلا عن كون الضرائب مصدرا مهما للتنمية».
وأوضح بهية، أن “الضرائب نظام ذو حدين، فإذا زادت عن حدها المعتاد فقد تؤدي إلى انكماش السوق والاقتصاد لاحقا، أما إذا ألغيت أو تعثر فرضها، فيمكن للاقتصاد أيضا أن يتضرر بشدة وذلك بسبب الإغراق السلعي في الأسواق بسبب عدم وجود الضرائب التي توازن بين سعر المنتج المحلي وسعر المنتج الأجنبي».