أحمد عبد الحسين
هذه ورقة أخرى ذبلتْ ووقعتْ من شجرة الزمن. انتهتْ سنة وبدأت أخرى، ولا أحد بمقدوره إيقاف تيار الزمن الجارف الذي لا ينتظر أحداً ولا يعبأ باستغاثات البشر الذين يريدونه أنْ يتوقّفَ عن الجريان الهادر وعن ترك آثاره على كل شيء، على وجوه الناس وعلاقاتهم ومصائرهم. لكنّ ميزة الزمن أنَّه ينتهي ليبدأ، وفي عين نهايته يفتحُ الباب لبداية جديدة. يقطفُ زهرة بيده ويزرعُ باليد الأخرى بذرة أمل.
مرّت سنة 2023 على بلدنا بوطأة أخفّ كثيراً ممَّا حفلت به السنوات التي سبقتها. لأنَّنا منذ التغيير قبل عشرين سنة لم تهدأ بنا الحال أبداً، فمن مخلّفات النظام البائد إلى ممارسات المحتل الأميركي الذي لم يفهم البلد ولا الناس، إلى حربٍ أهليَّة كانت ربيعاً للطائفيين والفاسدين وتجّار الدم، إلى نشوء عصابات الإرهاب الداعشي واحتلاله أجزاءً واسعة من البلد، ثمّ استشراء الفساد وتغوّله وتحكمه بمفاصل الدولة الذي حدا بالعراقيين إلى الاحتجاج طلباً لاسترداد وطنهم من الفاسدين. وكلّ ذلك الهياج لم يترك للعراقيّ فرصة أنْ يلتقطَ أنفاسه ويعرفَ بالضبط ما جرى ويستعدّ للمقبل.
الهدوء النسبيّ الذي عشناه خلال السنة الماضية، يجري في ظلّ وضعٍ إقليميّ ودوليّ مأزومٍ تطوف فيه أشباحٌ تنذرُ بحربٍ كونيّة تحذّر منها الدول الكبرى لكنهم ـ عملياً ـ يسعون إليها بخطى حثيثة، وتوّجتْ هذه المخاطر بالوضع المتفجّر في غزة التي تدار فيها حربُ إبادةٍ جماعيَّة تشنها إسرائيل ومن ورائها الأميركان الذين لا يخفون مشاركتهم الفاعلة في هذه الإبادة. وهل هناك إبادة حدثت على هذه الأرض من دون أنْ يكونَ لأميركا فيها اليد الطولى؟
كل ما يحدث في إقليمنا يتردَّدُ صداه سريعاً في الداخل العراقي. وإذا كنّا احتفلنا اليوم بمرور عامٍ مسالمٍ نسبياً، فإنَّ الحفاظ على هذا السلام يتطلبُ تنبهاً وحكمة كبيرين وتغليباً للمصلحة الوطنية واستمراراً في التصدّي للفاسدين وتجار الأزمات الذين هم أساسُ كل محنة عانى منها المواطن العراقيّ منذ عشرين سنة.
في السنة التي ودعناها تلمسنا تقدماً ملحوظاً في تحسن الاقتصاد والأمن وبدأت بوادر إعمار نتمنى أنْ تنمو وتستمرّ، وحدثت إنجازات حقيقيَّة على صعيد العلاقات الخارجيَّة وفي مجالات الرياضة والثقافة، ما يعطي أملاً في استثمارها والبناء عليها وجعلها هي السائدة.
مؤكدٌ أنَّ التحديات كبيرة، وأنَّ تركة عشرين عاماً من الفشل والحراك الأنانيّ الذي يغلّب المصالح الطائفيَّة والحزبيَّة والشخصيَّة ما زالتْ تحفر في قلب المؤسسة، لكنَّ الإرادة الحقيقيَّة إذا توفرتْ فسوف يأتي يوم نتحدثُ فيه عن حقبة الأباطرة الفاسدين بوصفها مجرد ذكرى مؤلمة عبرت ثم غبرت.
الزمن لا يتوقف بانتظار أحدٍ، لكنَّ الأمل لا ينتهي أيضاً ونحن محكومون بالأمل دائماً وأبداً.
كل سنة وكل يوم وعراقنا الأب الحقيقي للحضارات كلها يتطلعُ بثقة إلى مستقبلٍ يكون فيه هو وحده سيّد نفسه ومالك أمره.