الفنون ونشوة الإبداع

آراء 2024/01/02
...

عصام كاظم جري

نشعر بالفرح حين نشاهدُ إقبال الطالبات والطلاب إلى الدّراسة في معاهد الفنون الجميلة، ومغادرة النظرة الاجتماعيّة المتشددة والقاصرة التي كانت وما زالت سائدة عند البعضِ.
بالفن والفنون ينسجم الطالب مع مجموعة من القيم الإنسانيّة الخالدة والتي تجعل منه سندا لأخيه الإنسان في شتى ميادين الحياة، وتصبحُ العلاقة بينهما مبنية على الانسجام والتصالح والتصافح ونكران الذات والتعاون.
في هذه المؤسسة الأكاديميّة وأقصد معاهد الفنون الجميلة تصبح الجماعات متفاعلة مع قيمها الأخلاقيّة والمعرفيّة والإنسانيّة السامية ومتماشية مع قيم جديدة، ربما افتقدها الطالب في مواقع أخرى، ولا شك أن الطلاب يبحثون عن نشوة الفرحة والسعادة والنجاح، ويتحقق هذا الطموح بالإبداع والعمل اليدوي والذهني والمعرفيّ المائز، إن نشوة هذا الاحساس لن تغيب عن الطالب في مواقع كثيرة، بالوقت الذي أصبح فيه الفرح نادرا في ظل مجتمعاتنا المغلقة والتي تبنت ثقافة طارئة أبعدتها عن أصالتها وجذورها.
فالإبداع ذلك الإحساس الذي غالبا ما يكون ناتجا عن معرفة وموهبة وتأمل يجعل المبدعين يفرحون ويمرحون ويدركون أهميتهم بفعل الاهتمام بهم وعرض أنشطتهم الفنية والثقافية الجميلة للإعلام.
وقد يكون الإبداع فعلا مشتركا بين الطلاب أو قد يكون فرديا، يحس به الطالب في لحظة إبداعيّة ما.
وكثيرا ما تكون نشوة الفرحة هنا فعلا مشتركا يجمع بين مبدع فاعل وجمهوره، لا أجد نشوة الفرح إلّا في فعل الإبداع وتنوير عقول الآخرين، كلما استطاع المبدع إلى ذلك سبيلا.
وبالمجمل معاهد الفنون الجميلة تقدّم طاقة إيجابية للطالب وغيره ومعروف سبب تلك الطاقة الإيجابية، لا جدل ولا جدال أن الإبداع مرتبط ارتباطا وثيقا بالسلوك اليومي والوقوف على كشف أخلاق وإنسانيّة الآخر وتجسيدها فنا ولوحة وصورة وقصة ممسرحة وممنهجة أو قصيدة أو موسيقى وأغنية، ومن خلال هذا الفعل ندرك أن هناك طاقة ايجابية تتناسل بشكل إنسانيّ ومعرفيّ مع جمال الازياء والإضاءة والديكور والألوان والخط والزخرفة والتصمبم وفن التشكيل وعلم الموسيقى وفن الأداء.
وبالمجمل ان معاهد الفنون الجميلة إطار أكاديمي ومهني، وبالرغم من قلة التخصيصات، الّا أن العمل الفني/ الإبداعي مستمر ومتواصل، ويعود ذلك التواصل لتفاني وحرص الأساتذة وزرع الروح الوطنية لدى الطلاب، عموما العمل في المعاهد مبني على روح الانسجام، ويتجسد هذا الفعل من خلال الورش والبرامج التدريسية التنموية الفاعلة في المعهد للنهوض بالواقع الفني والثقافيّ والإبداعي
ولكن تبقى معاهد الفنون الجميلة بحاجة إلى دعم وتخصيص مالي من قبل المؤسسة الحكومية المسؤولة، وذلك بتجهيزهم مواد وخامات خاصة بالتّعليم والتدريب،
المعاهد تعمل وفق إطار أكاديمي ومهني ويحتوي على أقسام وتفرعات تخصصية وبإشراف أساتذة مبدعين لديهم تجارب عملية مهمة في ميادين الفن التشكيلي والرسم والاشتغالات اليدوية، كالتصميم والخط والزخرفة والموسيقى
والتمثيل.
نعم المعاهد اليوم بحاجة إلى تحديث تقني وتكنولوجي رقميّ وعلميّ لمواكبة التطوّر الذي يحدث هذا من جهة ولكي ترتقي بعملها الفنيّ والثقافيّ والابداعيّ من جهة
أخرى وإن افتقار أغلب المعاهد للقاعات والمسارح والاستوديوهات العازلة للصوت وصالات العرض الاكاديميّة من مسرح وغرف تمثيل وأزياء وديكور وآلات موسيقية وأجهزة صوتية، يقلل من شأن الإبداع والتميز ويتيح فرصة مناسبة للسكون والركود وهذا ما لا نطمح له ولا نريده لمعاهد الفنون الجميلة، التي تعد بقعة ضوء وسط الظلمة المعتمة، إن العجز المالي في تغطية نفقات معاهد الفنون الجميلة، يؤدي إلى مخاوف كبيرة لدى إدارات وأساتذة وطلاب أيضا مما ينعكس ذلك سلبا على طموحاتهم العملية في التصميم على تطوير مهاراتهم، وعلى المؤسسة ان تنتهج سياسة الدعم والعناية والمتابعة، فالاهمال يعدُّ حدثا خطيرا.