ثامر عباس
إذا ما تحدثنا عن مثالب وعيوب الشخصية العراقية التقليدية (الاعتيادية) فهي عديدة ومتنوعة، للحد الذي حدا ببعض المؤرخين العراقيين، ممن يتحلون بواقعية الطرح وعمق التحليل، تخصيص دراسة لافتة استعراض من خلالها تلك الأنماط العجيبة والغريبة من المثالب والعيوب التي يصعب إيجاد ما يناظرها كمًا ونوعَا لدى شعوب المعمورة الأخرى.
ومع ذلك فان المفارقة بهذا الشأن لا تكمن في هذا الجانب، الذي ربما يكون مفهومًا ومتوقعًا لدى البعض من الكتاب والباحثين، بقدر ما يكمن في تفوق شخصية (المثقف) العراقي المعقدة في مضمار إضافة رذيلة (النرجسية) إلى بقية العيوب والمثالب، التي يتشاطرها مع بقية أقرانه من عامة العراقيين.
ولعل ما يعطي للمثقف العراقي مسوغ (نرجسية) الأنا الأوحد والشعور بتضخيم الذات وتفوقها، كونه يعيش في بيئة اجتماعية متخلفة بنيويًا وفاسدة سوسيولوجيًا، قلما كانت (طبيعية) في مسارات تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحضاري، للحد الذي وسمت الغالبية العظمى من مكونات الشعب العراقي بميسم الركود والعطالة واللاأبالية.
وهو ما يغذي لدى (مثقفنا) المعاصر دوافع (الترفع) و(التعالي) الرابضة في الأعماق السيكولوجية لشخصية (الأفندي) التي ينحدر من سلالتها، حيث يتباهى بعدته المعرفية الصدئة وحصيلته اللغوية المهجنة أمام غالبية جماهيرية جاهلة، طالما كانت ضحية سهلة الانقياد لنوازع (نخبها) المتعالمة التي لا تجيد سوى ترويج الأيديولوجيات السياسية المتطرفة.
وبمقدار ما يزداد التخلف الاجتماعي ويتعمق أفقيًا وعموديًا، يمعن (المثقف) العراقي في إظهار عقده النفسية المقموعة واستعراض (نرجسيته) المكبوتة على نحو سافر، الأمر الذي يفسّر لنا أسباب استشراء هذه الظاهرة الشاذة داخل أوساط (النخبة) الثقافية بشكل خاص، بعدما ساهمت ظروف الحرب القاسية والمدمرة على العراق عام 2003 وما تمخض عنها وترتب عليها من انهيارات وانحرافات، في مضاعفة معدلات التقهقر الحضاري والتصحر الثقافي والتبربر الإنساني من جهة، وساعدت، من جهة أخرى، على انفلات تلك النوازع المقموعة والدوافع المكبوتة من عقالها دون خشية من رادع اجتماعي أو تأنيب من وازع أخلاقي.
ولعل من جملة مظاهر (نرجسية) الأنا الأوحد لدى المثقف العراقي، ليس فقط كونه يحب ان يحاط بمظاهر الهيبة وبهارج الأبهة من لدن الشرائح الاجتماعية قليلة التعليم شحيحة الثقافة فحسب، بل ويتطلع أن ينظر إليه - من قبل أقرانه من (المثقفين) كذلك - نظرة ملؤها الإعجاب بشخصيته، والإطناب بثقافته، والانجذاب لكارزميته.
ولهذا فهو وأن يبدي الامتعاض من عامة الناس، الذين يجهلون اسمه (المشهور) ويعزفون عن أعماله (الفريدة)، إلاّ أنه لا يلبث أن يتحول (وحش) كاسر سريع الغضب وشديد الانفعال، إزاء الناشطين في مجالات الإنتاج الفكري والثقافي ممن يعتقد أنهم (يتخطونه) في مضمار ثراء معارفهم الإنسانية، وعمق تحليلاتهم الاجتماعية، ورصانة منهجياتهم النقدية.
وإذا ما وقع المحظور وبرز من ينافسه على (عرشه) الكارتوني ويتحداه في (عرينه) المتهالك، حينذاك لا تشفع عنده قيمة للثقافة التي يرطن بها، أو يثنيه اعتبار للفكر الذي يتبجح بامتلاكه، حيث يشرع هذا (النرجسي) المتغطرس بخلع أقنعته المزركشة، والتخلي عن وقاره المصطنع ؛ موجهًا سهام نقده ومصوب حراب هجومه نحو كل من يستشعر أنه تجاسر على تخطي (مناطق الحرام) التي تمترس خلف حواجزها وتخندق وراء سواترها.
للحد الذي يبلغ به الأمر إلى الانحدار لأسفل مدارك الإسفاف في النقد والإجحاف في التقييم، ومعريًا بذات الوقت خواء عدته المعرفية وتهافت فكرياته الدونكيشوتية !.