ماذا يريد الحوثيون مِنْ دعم غزَّة

آراء 2024/01/02
...

سناء الوادي
ما فتئ الحوثيون يرسلون إشارات القوة والنصر، سواء في الداخل اليمني أو على المستوى الإقليمي، كان ذلك جلياً في النشوة التي شعرت بها الجماعة عقب الاتفاق مع المملكة العربية السعودية على إبرام السلام الدائم، ووقف إطلاق النار ما يعني أن التفاهمات حول الملف اليمني قد قطعت شوطاً متقدماً، وبات من المسلم به سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ناهيك عن ضرورة البدء بالالتفات إلى التحديات التي تواجههم متمثلة بالأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية السيئة للغاية،
 فضلاً عن التجاذبات السياسية والمباحثات المكوكية حول شكل الدولة المستقبلية في اليمن المنقسم اليوم بين الشمال الحوثي والجنوب الممثل بالحكومة الشرعية وحضرموت في الغرب.
وبين الأخذ والرد فإن كل طرف من الأطراف السابقة، يحاول كسب المزيد سياسياً، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى الطموح الحوثي، باستعادة إرثهم في حكم اليمن كاملاً فهم من سلالة الزيديين أحفاد المملكة المتوكلية وإنّ رأس خيطهم يكون بوضع اليدِ على العاصمة الاقتصادية للبلاد «عدن» فمن غير المفترض إضاعة ما تمَّ تحصيله بقوة السلاح عند الجلوس على طاولة المفاوضات.
هذا وكان طوفان الأقصى والأحداث الدامية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة الذريعة التي سمحت للجماعة الحوثية باستخدامها كاستراتيجية، لخلط الأوراق في محاولة لإعادة ترتيب الوضع الحوثي وانتزاع الشرعية في داخل اليمن وخارجه، فمجرد اتخاذ الخطوة باستهداف الحاويات والسفن التجارية الداعمة لإسرائيل في مضيق باب المندب ومن ثمَّ التهديد بإغلاقه كاملاً، كان هذا كافياً لجعل القلوب اليمنية والعربية تهوي إليهم والاصطفاف خلفهم في ظل الصمت العربي على المستوى الرسمي، فالكل يتحرّك وفقاً لحساباته السياسية ومصالحه الاقتصادية ما يثير حفيظة الشارع العربي ككل، الذي رأى في تصرفات الحوثيين مزيداً من الضغط الخانق على حكومة الاحتلال فسارع بالالتفاف حولهم والتضامن معهم، أمّا على المقلب الآخر فإن قرار بدء الحرب وإرسال التهديدات للقوى الكبرى من جماعة مسلحة أزالتها واشنطن في العام 2021م من قائمة الإرهاب لتعود هذه الأخيرة إلى حشد ما استطاعت من الدول للوقوف بوجه هذه الهجمات المهددة للتجارة العالمية، فإن ذلك يعني إذا ما رضخت لمطالب الحوثيين بوقف القتال في غزة الاعتراف العلني بشرعية الحوثيين في اليمن وكقوة لا يستهان بها في المنطقة العربية.
وفي هذا السياق أدركت أمريكا ذلك فلجأت إلى تحالف حارس الازدهار وحاولت ملياً إدخال الدول العربية فيه، لكنها قوبلت بالرفض فمن غير الممكن أن تسمح مصر والسعودية بإشعال فتنة عربية- عربية وضرب الاستقرار الذي تسعى إليه تلك الدول جاهدةً بعرض الحائط، خاصة بعد الاتفاق على السلام بين الرياض وإيران برعاية صينية، وهو ما يزعج واشنطن بكل تأكيد، ناهيك عن الموقف المصري الرافض لتهجير أهل القطاع منه والوقوف بوجه المشروع الصهيوني بإنهاء القضية الفلسطينية.
ومن هنا فإن اصطفاف الحوثيين إلى جانب محور المقاومة في وجه إسرائيل، يلقى ترحيباً واسع النطاق ما يعني نصيباً أوفر لهم في المكاسب السياسية في اليمن بعد إظهار القوة مقارنة بهشاشة الخصوم الجنوبيين والتخلخل الأمني، وهذا كان جلياً في التظاهرات التي عمّت البلاد ورفعت شعاراتهم، ولربما يخلق ذلك نزع الاعتراف بشرعيتهم من قِبل دول الجوار على اعتبارهم من يملكون قرار الحرب أو السلم في اليمن.
كان السابع من اكتوبر هدية السماء للحوثيين فتلقوها بصدر رحب وتعاملوا معها بكل ذكاء، محاولين تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، فوقفوا إلى جانب القضية الفلسطينية دعماً للأشقاء العرب من جهة، ومن جهة أخرى تحقيقاً لمآربهم في حكم اليمن ككل وإظهار ضعف الحكومة الشرعية لليمن المعترف بها دولياً برئاسة رشاد محمد العليمي، مستفيدين من كلّ ما هو متاح على الأرض كالدعم الإيراني والسلام مع الرياض والتحكم برقبة التجارة المارّة من باب المندب.
مهما يكن فإن طموح الحوثيين بعودة الخلافة عقب إحكام سيطرتهم على كل البلاد قد لا يلقى ذلك الترحيب، لكنه لا ضير من دعمه عربياً واستمالة اليمن للحضن العربي فهي أحد حصون المداخل البحرية المهمة في المنطقة، ولا بد من إفشال كل محاولات زعزعة الاستقرار التي تسعى لها ملياً أمريكا لتحييد الشبح الإيراني، وضرب المصالح الصينية والروسية في الدول العربية.

كاتبة سورية