قراءة في الخريطة السياسية اللبنانية

الرياضة 2019/05/19
...

بيروت / جبار عودة الخطاط  
 
 
وصفه رئيس الحكومة اللبناني الأسبق سليم الحص قائلاً “فيه الكثير من الحرية والقليل من 
الديمقراطية”!.. 
لبنان الذي تشهد هوياته المجتمعية تلاقحاً لا يبدو إنه سينفك في المستقبل المنظور بين الطائفة والسياسة حتى قسمت أبسط مفاصل الدولة فيه الى أبعاد لا تغادر النزعة الطائفية والمناطقية، رغم ذلك فهو من أوائل الدول العربية التي عرفت الديمقراطية والانتخاب رغم القيد الطائفي الذي يكتنف التوزيع الديموغرافي للناخبين وطبيعة الانتخابات المستندة للبعد 
الطائفي.
 
توافق طائفي
الدولة الحديثة للبنان عُرفت خريطتها الحالية الصغيرة ذات الـ ( 10,452 كم² ) بعد اتفاق جرى بين الانتدابَيْن البريطاني والفرنسي عام 1920 وهي خريطة ضاجّة بالتعدد الطائفي حتى وصلت عدد الطوائف فيها الى 18 طائفة غير أن المؤثر منها بحضوره الواضح ست طوائف هي الشيعة، السنّة، الموارنة، الأرثوذكس، الكاثوليك، والدروز وقد جرى العرف السياسي في لبنان بعد استقلاله عن الاحتلال الفرنسي، عام 1943 بتوافق سياطائفي بحيث يتولى رئاسة الجمهورية شخص من الطائفة المسيحية المارونية، ويتولى رئاسة الحكومة شخص مسلم من الطائفة السنية ويتولى رئاسة مجلس النواب شخص مسلم من الطائفة الشيعية.
 
اغتيال الحريري
ومن الأحداث المفصلية التي هزت لبنان حادث اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق عام 2005 وما تلاه من أحداث سياسية لافتة، من انقسام عمودي أصبح في واقع السياسة اللبنانية وتمخض عن ذلك فريقان سياسيان رئيسيان هما: فريق 8 آذار الذي يتمتع بعلاقة متينة مع ايران وسوريا وأبرز أقطابه حزب الله الشيعي وحليفيه المهمين حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار الوطني الحر بقيادة الرئيس ميشال عون أما الفريق الثاني فهو فريق 14 آذار المدعوم من السعودية بقيادة تيار المستقبل السنّي بقيادة سعد الحريري 
وحلفائه .
 
صراع سياسي
الى ذلك ثمة تباينات وتقاطعات سياسية كبيرة بين فريقي 8 آذار وفريق 14 آذار حيث يختلفان في مقاربة الكثير من القضايا الشائكة مثل سلاح حزب الله حيث يطالب فريق 14 آذار بتسليم حزب الله لسلاحه، بينما يؤكد فريق 8 آذار بأن سلاح حزب الله أو سلاح المقاومة وهو جزء من استراتيجية لبنان في مقاومة الاخطار الداهمة مثل الاعتداءات الإسرائيلية والتهديدات الإرهابية وان هذا السلاح حرر الأرض وكان سندا قويا للجيش اللبناني وأن بقاء هذا السلاح ضرورة لا مناص منها لردع إسرائيل وكبح جماح سياستها العدائية التي عرفها لبنان عبر التأريخ..
إعادة تموضع
في الوقت نفسه لا بد من الاشارة الى ان الكثير من القوى السياسية التي كانت تنتظم تحت لواءي الفريقين 7 آذار و14 آذار لم تعد في تموضعها السياسي الذي عرفت به وربما نجد هذا التشظي أو الانزياح بشكل أوضح وأصدق في ما كان يعرف بفريق 14 آذار والمدعوم من المملكة العربية السعودية حيث شكل خروج وليد جنبلاط منه أول الغيث ليشهد الفريق المزيد من التصدع وجاءت الانتخابات الأخيرة في لبنان لتسجل تخندقات غريبة بين فرقاء الأمس في ضوء الحسابات البراغماتية في الساحة التي كانت معروفة بشعاراتها بين خصوم أصبحوا حلفاء على خلفية انتصرت للمصلحة والواقعية على حساب قطيعة اختلفت بين قوى رأت المصلحة في إعادة تموضع 
هنا أو هناك.
 
الثنائي الشيعي
وبتصفح الخريطة السياسية للبنان تطالعنا قوة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) اللذان يتخذان من الضاحية الجنوبية معقلا لهما أضافة الى جنوب لبنان والبقاع أو بعلبك الهرمل حيث شكلا مركز الثقل النيابي في البرلمان اللبناني الذي تمخض عن انتخابات عام 2018 بأكثر من 20 مقعداً فحزب الله الذي رفع تمثيله عن العام 2009 وباتت كتلته مؤلفة من 14 نائباً فيما أصبحت حركة أمل ممثلة بـ17 نائباً بعدما كانت 14 في العام 2009 وما زال زعيمها التاريخي نبيه بري يترأس البرلمان اللبناني.. وليصبح هذا الثنائي هو القوة الأكبر داخل قبة البرلمان فضلاً عن تسنمهما لست حقائب وزارية بينها وزارة المالية والصحة ويبدو إن كل الخطوات المتخذة بحق حزب الله من تدابير مقاطعة وعقوبات لم تنجح في تحجيم دوره المتعاظم داخل الساحة اللبنانية لا سيما بعد تحقيقه لنصر باهر أثناء تصديه لعدوان إسرائيل على لبنان عام 2006 كما سيأتي.
 
تيار عون
ولعل نظرة على القوى المسيحية المارونية التي تتمتع بثقل لافت تحيلنا صوب التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون والذي نجح في الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية وتمكن من رفع عدد كتلته عن العام 2009 وباتت الكتلة تضم 22 نائباً والتيار يعد الحليف الرئيس لحزب الله ويتمتع بعلاقات جيدة مع تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري رئيس الحكومة وهو اليوم يستحوذ على معظم الحقائب الوزارية المهمة في البلد.
 
حزب القوات
وهناك أيضا قوة سياسية كان لها حضور معروف أبان الحرب الأهلية واليوم هي وفي أعقاب خروج زعيمها سمير جعجع من السجن سجلت حضوراً متنامياً في الحياة السياسية في لبنان هي حزب القوات اللبنانية التي ضاعفت في الانتخابات الأخيرة، عدد نوابها من 8 نواب إلى 15 نائباً وهي حليف رئيس لتيار المستقبل، كما أنها عقدت تفاهماً مع التيار الوطني الحرّ الذي يرأسه ميشال عون وبموجبه قامت الكتلة المسيحية المارونية التي يمثلها كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بترشيح عون ليكون رئيس الجمهورية والأخير أفاد كثيراً من دعم حليفه الاستراتيجي حزب الله ودعمه ليدخل قصر بعبدا رئيساً للجمهورية اللبنانية غير أن التفاهم بين القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع والتيار الوطني الحر بقيادة الرئيس ميشال عون ما لبث أن تفكك بعد خلافات بين الطرفين نتيجة نظرتهما المتباينة إزاء الكثير من القضايا اللبنانية والعربية .
 
الدروز وجنبلاط
وبنظرة الى الثقل السياسي لطائفة الدروز في لبنان يبرز أمامنا الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط الذي لعب، بعد خروجه من تحالف 14 آذار دور بيضة القبّان بين طرفي 8 آذار الذي يتمتع بعلاقة قوية مع أيران و 14 آذار المدعوم من السعودية وقد تراجع تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي في انتخابات عام 2018 وأصبح لديه 7 نواب بعد أن كانت لديه 9 نواب.. وهذا الحزب أسسه الزعيم التاريخي كمال جنبلاط وهناك حركات درزية أخرى لكن تمثيلها لا يرقى الى مستوى الحزب الاشتراكي في البرلمان مثل حركة الوزير طلال ارسلان وحزب التوحيد الذي يتزعمه الوزير السابق وئام وهاب.
 
أحزاب أخرى
وهناك حركات وقوى سياسية أخرى كان لها دور لا يستهان به في الحياة السياسية اللبنانية رغم محدودية حضورها البرلماني مثل تيار المردة الذي يتزعمه الوزير السابق سليمان فرنجية وهو من قوى فريق 8 آذار المتحالف مع حزب الله.. ومثل حزب الكتائب الذي يتزعمه الشيخ سامي الجميل نجل الرئيس السابق أمين الجميل وهو حزب تأريخي في لبنان وهو اليوم من حلفاء تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري ومثل الحزب القومي السوري الذي يتزعمه أسعد حردان وهو من حلفاء حزب الله وهناك أيضا حزب الطاشناق وهو الحزب الخاص بطائفة الأرمن وهو من حلفاء تيار الرئيس ميشال عون وأيضا تيار الكرامة الذي يتزعمه نجل رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي وهو محسوب على قوى 8 آذار.
 
الحرب الأهلية
لا يذكر لبنان الا تذكر معه الحرب الأهلية الطاحنة والتي امتدت بسنواتها العجاف بين سنتي 1975 و1990 وقد أودت هذه الحرب الشرسة بعشرات الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى قتل الكثير منهم على الهوية وقد استمرت الحرب حتى تمكن اللبنانيون أخيرا من توقيع ما يصطلح عليه بـ”وثيقة الوفاق الوطني” في مدينة الطائف السعودية  بتأريخ 30 أيلول 1989، وقد شكل اتفاق الطائف مبدأ “التعايش المشترك” بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي كهدف رئيس للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية كما أعاد هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني في لبنان عن طريق نقل بعض السلطة بعيدا عن الطائفة المسيحية المارونية التي منحت مركزاً متميزاً في لبنان في عهد الحكم الفرنسي وعدل الدستور في ضوء هذه الوثيقة وبموجب ذلك تم فعليا تحجيم الصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية وأوكلت تلك الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء وما زال اتفاق الطائف هو الفيصل في كل التدابير السياسية المتخذة .
 
المحكمة الدولية
بعد اغتيال الحريري تشكلت محكمة جنائية دولية أقرت من قبل مجلس الأمن للنظر في قضية اغتيال الحريري ومقرها مدينة لاهاي في هولندا وقد دعم إنشاء هذه المحكمة في لبنان تحالف 14 آذار المعارض لسوريا في حين عارضتها قوى 8 آذار التي تضم كلا من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لقطع الطريق على تدويل قضايا لبنان مما يؤدي إلى التدخل الخارجي بشؤونه الداخلية، وبدأت المحكمة أعمالها في 1 آذار 2009 ومنذ ذلك الحين وهي تدور في حلقة مفرغة بعد جلسات طويلة وصفها الكثيرون بأنها 
عقيمة.
 
انسحاب سوريا
من جانب آخر شكل انسحاب الجيش السوري من لبنان منعطفاً كبيراً على صعيد العلاقة بين دولتين تجمعهما الكثير من القواسم التاريخية والجغرافية والسياسية المشتركة ،في 26 نيسان 2005 انسحب الجيش السوري من لبنان بعد ثلاثة عقود من وجوده فيه منذ عام 1976 بعد الحرب الأهلية اللبنانية، ففي أيلول عام 2004، أقرّ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 الذي يدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان وحلّ الميليشيات وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها، ورافق صدور هذا القرار ضغط دولي غير مسبوق، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة برئاسة جورج بوش وفرنسا برئاسة جاك شيراك الذي كان صديقاً مقربًا لرئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري .
وجاء اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 ليتوج ذلك الضغط ضد الوجود السوري وقد تجسد ذلك بالتظاهرة الكبيرة في 14 آذار التي نظمتها القوى السياسية المناوئة لسوريا، وقد خرج الجيش السوري في 26 نيسان من العام 
2005.
 
عدوان تموز
بالاضافة الى عدوان تموز وهو عدوان اسرائيلي واسع النطاق على لبنان بدأ في 12 تموز 2006 فبعد تسويف إسرائيل في التعاطي مع ملف الأسرى قابله إصرار من حزب الله على تبني تحريرهم وهو ما جرى فعلاً لاحقاً، وبعد مرور نحو 30 عاماً على أسر لبنانيين مثل (سمير القنطار) وبعد وصول مفاوضات إطلاق سراحهم، لافق مسدود قرر الحزب أسر جنود إسرائيليين لتحرير أسراه وفي 12 تموز 2006 نفذ حزب الله عملية “الوعد الصادق”، وأسر جنوداً إسرائيليين، فردت إسرائيل واقتحمت حدود لبنان متوغلة في أراضيه فكان حزب الله لها بالمرصاد ودمر دبابتين، وقتل 8 جنود إسرائيليين لتشتعل الحرب مستمرة 34 يوماً مخلفة خسائر كبيرة في الأرواح والبنى التحتية في مناطق مختلفة من لبنان لكنها أخفقت في تحقيق أهدافها. 
وفي 14 آب 2006 توقف العدوان بعد دخول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 حيز التنفيذ اذ نص على إنهاء العمليات القتالية من كلا الجانبين وإضافة 15000 جندي لقوة “يونيفيل “لحفظ السلام مع انسحاب إسرائيل إلى الخط الأزرق وانسحاب الحزب إلى شمالي الليطاني وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب 
اللبناني .