سريعة سليم حديد
نعيش الآن وسط المتغيرات المتسارعة، ونسابق الزمن في تلقف كل ما هو جديد من تقنيات حديثة كالهواتف النقالة والألعاب الكرتونية وغير ذلك، ليكون مصيرها الانتقال إلى أيدي الأطفال؛ مما يجعلهم يعيشون مرحلة متوترة تزيد من مهمة التربية الصحيحة تعقيداً، وخاصة إذا عاملهم الأهل ومن حولهم بقسوة، فضلا عن أنواع العنف التي يكتسبونها من برامج التلفاز، وتحديدا أفلام الكرتون، وكذلك من وسائل التواصل المختلفة، الأمر الذي يضعنا أمام معضلة نفسية قد يصعب حلها.
ومن البوابة النفسية، بوابة الاهتمام بمعاملة الطفل، وجعله يعيش حياة مطمئنة آمنة آثرنا الخوض في هذا الموضوع، لنوضح أسباب اكتساب الأطفال صفة العنف، ولماذا يكون لدينا طفل هادئ وطفل عنيف، وسبب تطور العدوانية بعد مرحلة الطفولة، وما هي أهم الطرق والإرشادات في كيفية التعامل مع الطفل العدواني.
السلوك العدواني من وجهة نظر علم النفس، هو “سلوك غير مرغوب فيه، يقوم به الطفل عن طريق الضرب أو العض أو إيذاء الأشخاص نفسياً أو جسدياً، عبر استخدام تعابير سلبية كالسب والشتيمة، أو الضرب والتكسير وغير ذلك” مما يترك آثاراً سيئة على الشخص المعتدى عليه. علماً أن صفة العنف عند الأطفال هي مكتسبة من المحيط الخارجي، فلا تلعب الوراثة هنا إلا دوراً بسيطاً في ذلك.الطفل يقلد من حوله، كما متعارف، لذا فلا غرابة أن يقسو في معاملته مع أخته الأصغر منه مثلاً بالضرب، لأنه يشاهد والده يتعامل بطريقة سيئة مع الأم، كذلك يمكن للطفل أن يقلد معلمه، فيستعمل العصا في ضرب من حوله، أضف إلى ذلك القهر الذي يعيشه من حرمان وإحباط، كل هذه العوامل مجتمعة، تجعل من شخصيته تميل نحو العدوانية، كذلك يمكن لمعاملة الأخ الأكبر وسيطرته على إخوته الصغار من خلال فرض آرائه وطلباته، وبالتالي السيطرة على حاجاتهم أن تنشئ طفلاً عدوانياً.
قد يعاني الطفل من الاضطراب النفسي، فربما يشعر بالنقص، فيحاول التعويض عن ذلك بفرض شخصيته على الآخرين، وممارسته تجاههم أساليب العنف المختلفة.القسوة التي يواجهها الطفل في البيت سواء من زوج أمه، أو من زوجة الأب، أو من أحد أفراد أسرته، قد تدفعه إلى الانتقام من الآخرين؛ فربما يتصرف بشكل سيئ حيال كتبه أو ملابسه، وقد يتطور الأمر إلى ممارسة العنف على نفسه، فيحاول الانتحار مثلاً.
كذلك تعرض الطفل إلى العزلة وعدم السماح له باللعب مع من يريد، وبالتالي عدم تفريغ الطاقة الكامنة داخله، قد يعرضه إلى نشوئه طفلاً عنيفاً.ومن البديهي اليوم أن الطفل يكتسب الكثير من صفات العنف من التلفاز، وخاصة أفلام الكرتون التي تسيئ إليه، وخاصة الرعب منها، إضافة إلى البرامج الأخرى التي تعرض مشاهد القتل والتدمير، وما شهد من حروب وحوادث تفجير، وغير ذلك.وإذا أردنا أن نتحدث عن طبيعة تفكير الطفل، فتعتبر الساحة العقلية لديه شبه فارغة، فليس لديه معلومات حول تصويب الأمور والمواقف التي يمر بها، أي لا يميز الصح عن الخطأ، لذلك يلجأ إلى المعرفة والتجريب والتقليد، فينظر إلى مشاهد العنف وكأنها تصرفات عادية، فيقلدها دون أن يدرك ماهية مخاطرها. ولكن، لماذا يكون لدينا طفل هادئ وطفل آخر عنيف؟ الإجابة تكون في أنه من الطبيعي أن ينشأ الطفل عنيفاً في جو أسري، يمارس فيه أفراد العائلة أساليب العنف بشكل متبادل، كذلك يمكن لتربية الطفل المدلل -هذه الصفة التي تميزه عن باقي أفراد العائلة - أن تسمح له بالتصرف بعنف كي يحصل على ما يريد. فالدلال كما هو معروف يفسد أخلاق الطفل، مما يجعل السيطرة على تصرفاته في غاية الصعوبة.
أما الطفل الهادئ الذي يعيش وسط عائلة تتعامل معه بحب وحنان واهتمام، وتوفر له مجالات الراحة والاطمئنان، فمن الطبيعي أن ينشأ بشكل صحيح، لأنه في الأساس يقلد طريقة تعامل أسرته.
قد تتطور حالة العدوانية عند الطفل إذا لم تعالج بشكل صحيح، أو لم يُعرض أمام طبيب نفسي، فيتطور العنف لديه، ويصبح غير واثق من نفسه نتيجة انتقادات الآخرين، فيستمر بالعدوانية ليثبت وجوده وسيطرته، لأنه يفقد التوجيه الصحيح، مما يزيد الحالة سوءاً أكثر فأكثر.كما ويجب منح الطفل الحب والحنان والاهتمام، واستخدام عبارات التشجيع عندما يتصرف بشكل جيد كي تتعزز ثقته بنفسه، كذلك اتباع أساليب الترغيب بالكلام والمكافآت، وشراء الألعاب الجميلة المفيدة، وعدم شراء الألعاب التي تعزز العنف كالمسدسات والدبابات والألعاب النارية.
وعلى الوالدين عدم التصرف بعنف أمام الطفل، وعدم تمييز طفل عن آخر داخل الأسرة، هذا ما يشكل دوافع وسلوكيات سيئة بين الإخوة، تدعو إلى الكراهية وتنشيط حالة الغيرة بينهم، ومن المهم تعويد الطفل على ضبط أعصابه عند الغضب، وأن يتماسك، وعدم التعبير عن غضبه وانفعالات بالضرب أو التكسير.. وذلك بشكل هادئ وجيد.هناك عوامل كثيرة تبعد الطفل عن مراقبة والديه له بشكل دقيق، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي، وترك الطفل لأوقات كثيرة بعيداً عن والديه إما بسبب العمل أو أسباب أخرى، مما يوفر للطفل فرصة ممارسة كل ما يخطر في ذهنه. وأهمها تقليد مشاهد العنف.