أحمد عبد الحسين
بصمات أصابع الكيان الصهيونيّ واضحة في جريمة اغتيال القياديّ الفلسطيني صالح العاروريّ في الضاحية الجنوبية ببيروت. ساسة صهاينة اعترفوا ـ تلميحاً ـ بذلك قبل أن يُسكتهم نتنياهو الذي أمر بالكفّ عن أي تصريح يخصُّ الجريمة.
وأمس في كرمان الإيرانية توجهت الأنظار تلقائياً إلى ذات الفاعل، لأنه أكبر المستفيدين من هذا الحدث الإرهابيّ الذي أودى بحياة أكثر من سبعين إيرانياً وخلّف مئات الجرحى حتى لحظة كتابة هذا العمود.
قيل الكثير عن ستراتيجية الهروب إلى الأمام التي ينتهجها عادة من يتورط ولا يجد مخرجاً قريباً منه، كما قيل أكثر عن ستراتيجية ترحيل الأزمة الداخلية إلى الخارج للتنفيس عن احتقان وللتغطية على فضيحة. يصحّ هذا على وضع الكيان الصهيوني المتأزّم في غزة، حيث تبدو أهداف مجازره بعيدة المنال فلا حماس ستنتهي عاجلاً ولا آجلاً، ولا انتصارات حاسمة تلوح له في الأفق، اللهم إلا إذا اعتبرنا الإيغال في قتل الأطفال والنساء نصراً مؤزراً.
لكنّ الجريمتين، في جنوب بيروت وفي كرمان، يمكن أن يُفهما في سياق هدف إسرائيليّ غير معلن مفاده تحويل الصراع إلى حرب إقليمية وإشراك العالم كلّه ليحمل وزرَ ما بدأته إسرائيل من إبادة جماعية وللتعمية على الفظائع التي بدأ العالم وإعلامه يتساءل عنها بغضب.
العقيدة الصهيونية في الحقيقة ثكنة عسكرية، وهي مشدودة إلى أطياف حرب كونية أخيرة “هرمجدون” ينتصر فيها “أبناء الله” على الأغيار أي على العالم كله ليكونوا أسياداً على هذا الكوكب. هذا التوصيف ليس تهويلاً أو مبالغة أو هجاء لهذه العقيدة بل هو خلاصة مسلّمات داخلة في صناعة عقلية الذين يحكمون اليوم في تل أبيب.
استعجال القيامة سمة واضحة من سمات “إسرائيل” منذ تأسيسها، والقيامة هذه لا تأتي إلا عقب حرب لا تُبقي ولا تذر. ولهذا فإنّ القائلين بأنّ “إسرائيل” تريد توسيع دائرة الحرب لتغدو كونية، لديهم ما يسند قولهم.
أهداف شتى وراء هاتين الجريمتين الإرهابيتين: التنفيس عن أزمة غزة، وإلهاء العالم عن الإبادة الجماعية وتوريط المجتمع الدوليّ أكثر وإرضاء عتاة الصهاينة ممن يريد للقيامة أن تحدث الآن وليس غداً.