لماذا يجب خفض التصعيد في البحر الأحمر؟

آراء 2024/01/07
...

 محمد صالح صدقيان 

تشهد منطقة باب المندب والبحر الاحمر تطورات متسارعة علی خلفية اعلان الحوثيين ملاحقة السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية؛ في الوقت الذي قررت فيه حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد ترك المنطقة والذي تزامن مع اعلان ايران عبور المدمرة {البرز} مضيق باب المندب متجهة للبحر الاحمر وسط استمرار العدوان علی سكان غزة من المدنيين والأطفال والنساء.

هذه المنطقة لا تقتصر اهيمتها في موقعها الجغرافي فحسب وإنما في أهيمتها الستراتيجية، التي تربط ثلاث قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا عبر البحر الابيض المتوسط، مرورا بقناة السويس المصرية؛ فهي تعدُّ ممرا ملاحيا جيوسياسيا وجيواستراتيجيا تتداخل فيه الأهمية الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لكن تبقی الأهمية الاقتصادية والاهمية العسكرية والأمنية، هما من أكبر العوامل التي تؤثر في هذه المنطقة. 

خلال الحرب علی اليمن وعلی طوال السنوات الثماني الماضية، لم تتأثر الملاحة في هذا الممر المائي الحيوي علی الرغم من التهديدات التي اٌطلقت من هنا وهناك ؛ لكن حركة انصار الله الحوثية التي تعمل مع الجيش اليمني في صنعاء قررت هذه المرة ملاحقة السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية، علی خلفية الحرب العدوانية التي يشنها الكيان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة. 

هذا القرار أربك الوضع الأمني في هذه المنطقة، التي جاءتها حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد وايزينهاور، لتهدئة الاوضاع فيها والعمل لدعم الكيان في حربه ضد الفلسطينيين. 

في 18 كانون الاول / ديسمبر أعلنت الحكومة الأميركية انشاء تحالف أو مبادرة “حارس الازدهار” تتركز علی الأمن في البحر الاحمر.

الدول العربية الرئيسة القريبة من هذه المنطقة امتنعت من المشاركة؛ كما أن عددًا من الدول الاوروبية كايطاليا واسبانيا انسحبت منه، وهو ما يؤشر الی عدم رغبة هذه الدول الدخول في تصعيد غير محسوب العواقب، خصوصا أن الأمر لا يتعلق بأمن الملاحة الدولية بقدر ما يتعلق بالتصعيد واستمرار الحرب علی المدنيين في غزة. 

لا توجد شفافية ووضوح وراء الأسباب الحقيقية، التي دعت الولايات المتحدة لتشكيل هذا التحالف؛ هل هي لتامين الملاحة البحرية الدولية؟

ام لمراقبة خط الملاحة المتجه للموانیء الاسرائيلي بعد اعلان الحوثي عزمه لملاحقة السفن المبحرة في هذا الخط ؟. 

واذا كان الامر كذلك ؛ فان تفعيل عمل هذا التحالف سيعرض الامن والسلام في هذه المنطقة الحيوية لخطر لا يمكن تفاديه اقتصاديا ولا امنيا خصوصا وان النمو في الاقتصاد العالمي مرشح في العام 2024 الی الكثير من التباطؤ والانكماش. 

وهناك مقاربة اخری؛ هل إن هذا التحالف يستطيع اقناع السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية بالمرور في البحر الاحمر؟ هل يتمكن من خفض كلف التأمين التي ارتفعت لهذا السبب؟ وفي نهاية المطاف هل ينجح بتامين الامن لخط الملاحة البحري، الذي يسهم بنقل أكثر من 30 بالمئة من الطاقة العالمية و60 بالمئة من البضائع والسلع والخدمات للسوق العالمية. 

لا يبدو أن جيمع الشركات البحرية الناقلة تستطيع ان تستبدل طرق اخری بعيدا عن قناة السويس؛ ولذلك فان هذا الممر يبقی الطريق الاقل تكلفة والافضل للنقل لعديد الشركات العالمية، وهو ما يعطي المنطقة اهمية استثنائية لايمكن تجاوزها. 

واذا ما اراد هذا التحالف التحرش بالحوثيين عسكريا، فهذا يعني زيادة المخاطر وتعريض الامن والسلام في هذه المنطقة للخطر.

وفي ظل هذه الاجواء علّقت بعض اهم شركات تشغيل الخطوط البحرية في العالم عمليات العبور في البحر الاحمر وخليج عدن، في حين رفعت شركات التأمين البحري اسعارها المتعلقة بمعدلات مخاطر الحرب الی مستويات اعلی. 

وفي الوقت الذي ما زالت السفن التي تجد نفسها غير معنية بالتهديد الحوثي تسلك هذا الطريق، لكن المزيد من الشركات قررت القيام برحلات طويلة عبر رأس الرجاء الصالح للوصول لموانئها متحملة بذلك زيادة في الوقت وارتفاع في التكلفة. 

إن القواعد التي وضعها زعيم حركة انصار الله عبد الملك الحوثي بشأن مرور السفن في البحر الأحمر مكلفة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم، لأن إطالة الرحلات حول رأس الرجاء الصالح ستعني حتماً فترات زمنية أطول، وتأخيرات في عمليات التسليم المخطط لها قبل التغيير، وزيادة التكاليف التي تشمل رسوم الميناء وتكاليف الوقود، التي سيتم تمريرها بتكاليف اضافية الی المستهلكين في تلك الدول. 

إن الجميع معني بالاقتناع إلی أن تصعيد الأوضاع في منطقة باب المندب والبحر الاحمر لا يخدم انسيابية النقل في هذه المنطقة؛ وأزيد إلی أن المشكلة ليست في هذه المنطقة، وانما في غزة واستمرار العدوان عليها. 

فمتی ما وقفت الحرب هناك يقف التصعيد هنا.

أما أن يتم الذهاب لاستهداف الحوثيين فإنه لايسفر إلا للمزيد من التصعيد ليس في باب المندب ولربما في مناطق أخری؛ وإن الأميركي لا يمكن له أن يعمل طوال الوقت رجل اطفاء حرائق عند نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية.