العام العراقي الجديد.. نعمل لكي نستيقظ

آراء 2024/01/07
...

 رعد أطياف 

 ثمة خلاف بين جمهور الحالمين وأضدادهم. بينما يسعى الفريق الأول ويحشد كل طاقاته لفتح بوابة الأحلام، يأتي الفريق الثاني فيبدد كل هذه الأحلام بعبارة واحدة: ليس علينا أن نحلم بقدر ما ينبغي علينا أن نستيقظ! ويقال إن الحالمين أكثر معاناة مقارنة بالمستيقظين. إن الظواهر هي هي لا يشوبها تغيير، وإنما ما يتغير هو نظرتنا لها، أو بتعبير أدق: رغباتنا تجاهها؛ فالعوالم الحلمية تمنحنا وجوداً خصباً ومتدفقاً، وإمكانيات جمالية هائلة، وهي العوالم التي لا يتسغني عنها الشاعر، والروائي، والتشكيلي، لفتح البصر والبصيرة على إمكانيات متدفقة وسيّالة، ذلك أن الوقائع المعتادة فقيرة بالنسبة لهؤلاء الثلاث.

احلام بورخيس القصصية، مدن إيتالو كالفينو اللامرئية، سحر الأدب اللاتيني، لولا سعة الحلم لم ير هذا الأدب النور، ولما احتفلنا به. بيد أن الوقائع السياسية توخزنا لكي نستيقظ! أن هذه الوقائع هي مقبرة موحشة للحالمين: تغرق فيها مراكب الأدب الساحر، وأغنيات الشعراء، واللوحات الفنية القادمة من عالم آخر. فمن يتصدى للعمل السياسي ستكون عدّته الرئيسية هي الاستيقاظ المستمر، خوفاً من أن يجرفه الحلم إلى مكان بعيد. لكن قد يحدث أن تحلم المجتمعات بغدٍ أفضل، وأظنها المجتمعات التي تعوزها الثروات! بمعنى: كلما ازداد الفقر أزدادت أحلام المجتمع بمستقبل مشرق. بيد أن المجتمعات الغنية بثرواتها الطبيعية لا تحتاج أن تحلم وإنما تستيقظ من سباتها العميق لتستثمر ثرواتها بأفضل طريقة ممكنة. 

ثمة أحلام جاهزة تنتظر الإشارة من رأس المال لترى النور، والعراق غني بثرواته الطبيعية والبشرية فيمكنه أن يستيقظ بأمواله الضخمة، ولا نحتاج أن نغرق في الأحلام مرة أخرى. أعرف أن الموضوع جدلي، أعني قضية الحلم واليقظة، لكن، وبالعودة إلى العمل السياسي، سيكون، ربما، الاستيقاظ أولى من الحلم. 

ولكي لا يبقى الموضوع في إطار»الحذلقة الفلسفية» نقول إن تاريخنا السياسي يدفعنا للخوف من الأحلام الزائدة، لأنها بمرور الوقت تتحول إلى كائنات تراثية وخطب عالية التجريد، يغلب عليها طابع التسويف، وهذا الأخير يبقى في عالم الأحلام دون أن يغادرها. بعبارة أخرى: أن بلاغاتنا السياسية تعاني من حمولة عالية بالمدلولات الحالمة. ولكي نقطع الطريق عن مثل هذا الأدب المزركش، فقط نحتاج إلى دفع العجلة إلى الأمام، حيث لدينا الكثير في هذا العام لنقدمه.

الملاحظ من تصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أنها يغلب عليها الطابع التفاؤلي، حيث يشير جدول أعماله إلى عام قادم مليء بالخير، أعني عام الحصاد والإنجازات وترجمة المشاريع المهملة على أرض الواقع، مثلما يعبّر في تصريحاته. ونتمنى أن يكون العام الجديد هو عام اليقظة بامتياز، عام تخلو فيه التسويفات، وتنتهي كل المدد المفتوحة للمشاريع المتلكئة. ليس هذا فحسب، بل نتطلّع إلى عام لا يكون فيه رئيس مجلس الوزراء مقيّد بأطر المحاصصة، والتجاذبات الحزبية الضيقة.

المنطق المريح في التصريحات الجديدة أنها لم تحمل في طياتها أحلاما عالية. فقط استنهاظ ما كان طامراً في خانة النسيان والتسويف. ونتمنى أن يكون القضاء على الفساد الإداري والمالي من ضمن الأولويات القصوى في البرنامج القادم. هذا ما نحتاجه حقاً. أكثر من عقدين كانت الأحلام، السياسية منها والشعبية، تتجه نحو عراق يكون «يابان ثانية» ومحافظة البصرة، بئرنا النفطي الهائلة «دبي ثانية». فاستيقظنا من كابوس ثقيل كان جاثماً على صدورنا. بيد أن الكابوس الثاني لا زال جاثما؛ كابوس الفساد المرعب. في هذه اللحظة يخامرنا حلم واحد لاغير: أن نستيقظ قبل ضعف الطلب على الطاقة الأحفورية، وتذهب أحلامنا ويقظتنا إدراج الرياح.