أين الكتاب العراقي في المحافل الدوليَّة؟

ثقافة 2024/01/07
...

  عمان: يعرب السالم 

تكثر التساؤلات وتختلف بشأن أهمية المنتج الثقافيّ العراقيّ وقوة حضوره في الساحة الثقافيَّة العربيّة، قياسا بالمشاركات الدولية لدور النشر العراقيّة في المعارض. فهل استفاد المنتج الثقافيّ العراقيّ من طرق النشر الحديثة؟ كالكتاب الصوتي أو الإلكتروني. مع الأخذ في نظر الاعتبار قوة التنافس التجاري والثقافي لدور نشر لبنانية ومصرية وخليجية ظهر قسم منها حديثا، وحققت مكانة لا بأس بها بين دور نشر لها باع طويل في هذا الشأن. وحتى نكون منصفين أكثر علينا ألا ننسى الأوضاع التي مرّ بها العراق بسبب الإرهاب، والتي أثرَّت في كل مفاصل الحياة، ومنها توزيع الكتاب العراقيّ على الرغم من سعي الحكومة بمطابعها، وكذلك الأهلية والخاصة لأن يتوفر الكتاب العراقي ويتواجد في غالبة المحافل الثقافيّة.

وقديما نتذكر مقولة “إن مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ” إما اليوم في عصر العولمة الثقافية وكثرة وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تغيرت الكثير من المفاهيم وذابت في لجة العصرنة والعوالم الافتراضية. 

ولتقصي الحقيقة شرعنا بمعرفة آراء نخبة من المهتمين بالشأن الثقافيّ من كتاب وشعراء وأكاديميين واستقراء نظرتهم للكتاب العراقي ومدى تأثيره وتوفره وأهميته في المكتبة العربيّة.

يقول الأديب والإعلامي عمر أبو الهيجاء، لـ “الصباح” إن “الأدب العراقي ضارب في جذوره التأريخية، وحضور المثقف أو الكتاب العراقي في جميع المحافل العربيّة يعتمد على ما يتمتع به الأديب على الصُعد والأجناس الأدبيّة من موهبة خلاقة”. 

ويضيف أن “الأدب العراقي يحظى بمكانة مرموقة في المشهد الثقافي العربي عبر النتاج الإبداعي برغم شحته في المكتبات، ويحصد العديد من الجوائز العربية والعالمية. فالأدب العراقي يُعد مرجعا مهما لكل الباحثين، وهو مفعم برؤية حضارية وتراثيّة وتأريخية انعكست بدورها على المنتج الإبداعي العراقي في الشعر والرواية والقصة والنقد والفنون الأخرى”.

أما  الروائي أحمد أبو سليم فيرى أن الكتاب العراقي على الرغم من شحته أو انقطاعه لفترة بسبب الظروف التي مرّ بها البلاد، لكن مساهمة الأدب العراقي في محتوى الثقافة العربية يبقى تأثيرها في بنية الوعي العربي، هو قديم قدم حضارة العراق. 

ويقول: قد لا يتسع المجال للوصف، إذ تعدُّ العملية الثقافية سلسلة متواصلة، ومتَّصلة، وعلينا أن نعترف بوجود حركة ثقافية عراقيَّة مُكثَّفة ومتنوعة، ابتداء من الشِّعر والقصة والرواية، وليس انتهاء بالفن.  

ويتابع: في السابق كنا نرى كتب دار الشؤون الثقافية ودار المأمون، واليوم ظهرت دور نشر جديدة بدأت تُسهم في التعريف بأَسماء جديدة في كل المجالات. 

كما ساهمت منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية في نشر المنتج الأدبي العراقي، برغم أنه بحاجة لاهتمام أكثر على مستوى تسويقي وإشهاري في الساحة الثقافية العربية.

وفي السياق ذاته، ذكر الشاعر يوسف عبد العزيز أن العراق هو الأرض الأكثر خصوبة للشّعر والإبداع بشكل عام من فن تشكيلي وموسيقى ومسرح وفنون أدبية. 

ويقول: إذا نظرنا إلى الشِّعر سنجد أنّ تطوّر الشّعرية العربية في العصر الحديث جاء من العراق على أيدي شعراء مثل السياب، وعبد الوهاب البياتي، ونازك الملائكة، الذين أطلقوا العنان لثورة الشّعر الحديث، وذلك في النّصف الثاني من أربعينيّات القرن الماضي، والجيل التالي لجيل الرّوّاد لم يقل أثره عمّا فعله الرواد وكذلك جيل السبعينات، رافق هذا التطور العراقي في الشّعر والكتابة بشكل عام، تطوّر على صعيد النّشر، فقد أصبحت دور النّشر العراقيّة تضخّ أعداداً هائلة من الكتب سواء للكتّاب العراقيين أو العرب،  فضلا عن الكتب المترجمة، وقد كان لدار المأمون دور هام في هذا المجال. 

ويضيف: لابد من ذكر المزايا المهمّة التي كانت تميّز الكتاب العراقي، فبالإضافة إلى محتواه الإبداعي، كان هناك اهتمام بغلافه وإخراجه التصميمي، ولا ننسى سعره المناسب قياسا إلى سعر الكتاب البيروتي المرتفع. 

ومن هذا الشّكل، فقد تمكن الكتاب العراقي، بحسب عبد العزيز، من منافسة كتب بيروت والقاهرة. 

 وعلى الرغم من أن هناك ظروفا قاهرة جعلت الكتاب العراقي يختفي فترة إلا أنّه، كما يؤكد عبد العزيز، في السنوات الأخيرة بدأ الوضع الثّقافي العراقي يتعافى شيئاً فشيئاً، بالإضافة إلى معرض الكتاب الدولي الذي يُقام سنوياً في بغداد، وعادت مجلة الأقلام إلى الصدور، كما عادت وزارة الثقافة العراقية إلى إصدار الكتب، لكنّ المشكلة أنّ الكتاب العراقي الذي يُنشَر في العراق نجد صعوبة في الحصول عليه في المكتبات العربية.

من جانبه، يعتقد الكاتب عبد الجليل الحافظ أن قصة المثقف العربي مع الكتاب العراقي تبدأ منذ بواكير الحضارة العربية، فالكاتب العراقي يتميز بالأصالة والجِدّة في التأليف والبحث العلمي والترجمة. “فهو لا يرضى أن يكون كتابه كأي كتاب في المكتبة العربية لأنه يسعى للتميز”. 

وفي مجال الإبداع، كما يتابع الحافظ، فالعراق كان ومازال موطن الأدب وبالذات الشّعر، ولسنا في مجال أن نذكر أسماء الشعراء والكتاب العراقيين، فأي اسم نختاره هو علم من أعلام الإبداع، وللحقيقة أقول إن جواهر الكتب في مكتبتي هي لمؤلفين عراقيين، وتبقى مشاركة الكتاب العراقي في معرض الرياض أو جدة مشاركة متواضعة قياسا بحجم الإبداع العراقي. 

في المقابل، تقول القاصة حكيمة جمانة إن “الأدب العراقي يضرب بجذوره في الحضارة الإنسانية، فهو ينهل ابداعه من أرض الحضارات الآشورية والسومرية والبابلية، وتطوره يستند على تاريخ ثري ينهل منه، فلا غرابة أن يكون العراق رائد التجديد في الأدب، هنا في الجزائر نجد صعوبة بالغة في الحصول على الكتاب العراقي المطبوع، لذلك نلجأ ونعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي أو الشراء من الإنترنت إن توفر ذلك”. 

وتضيف: لكن هذا الأمر لا يغني ولا يسد نقص تواجد الكتاب العراقي في الساحة الثقافية المغاربية بالذات، فنحن ننظر بأهمية بالغة للإبداع العراقي الجديد فقد تعودنا على رقي النظرة الشمولية للإبداع العراقي، وكذلك اتسام الكاتب العراقي بقوة قلمه وتنوع وجمال وجرأة موضوعاته في مجالي الرواية والشعر والمسرح والقصة. أما الأكاديمية د. نهلة الجمزاوي فتقول إن “الساحة الثقافيّة العراقيّة المتكئة على إرثها الحضاري العظيم، أنجبت عددًا كبيرًا من الرموز الأدبية والفكرية على مدّ التأريخ، مما أثرى الساحة الثقافية العربية بنتاجاتهم من الكتب التي احتلت مركزا مرموقًا ومتميزًا، وهي بلا شك ورغم الظروف السياسية التي أغرقت المنطقة بأسرها بالويلات، وأضعفت الحركة الثقافية برمتها، ما زالت خلاقة وقادرة على إنتاج الكتب المتميزة التي نراها في معارض الكتب الدولية”.

 ورغم تراجع صناعة الكتاب الورقي عربيًا وعالميًا، فقد تمكن الكتاب العراقي أن يحتل مكانه عبر الشبكة العنكبوتية والمواقع الإلكترونية التي أصبحت عمومًا تنوب بعض الشيء عن المكتبات والكتب المطبوعة، لكن يبقى الطموح أن نرى الكتاب والإبداع العراقي يُزين مكتباتنا الشخصية وكذلك المعارض بشكل أفضل، لأننا نجد فيه قيمة إبداعية مهمة على الصعيد الثقافي العربي والعالمي، وفقا لتعبيرها.

خلاصة القول مما جاء في هذا التحقيق إن الاهتمام بالمنتج الثقافي العراقي يأتي من خلال إيصاله للقارئ العربي. وهذا يعتمد على المشاركات المُكثفة في المحافل الدولية، وخلق آلية تسويق فعالة قادرة على إيصال الكتاب العراقي لكل البلدان، ودعم دور النشر الأهلية من حيث التسويق وتسهيل الآليات والروتين أمامهم فيما يتعلق بمشاركتهم خارج العراق. بالإضافة إلى إقامة معارض دائمة في البلدان وخلق منافذ بيع إلكترونية وصفحات عبر منصات التواصل تسهم في التعريف بالنتاج الثقافي الجديد والمتنوع، وستسهم هكذا خطوات في رفع قيمة الكتاب وتأسيس قاعدة جماهيريّة ثقافيّة جديدة، كون الإبداع العراقي يحظى بقبول واهتمام من قبل القارئ والمثقف العربي.