توفيق الحكيم.. الأدب يوازن ما بين الحواس والعقل

ثقافة 2024/01/07
...

 عفاف مطر

في الخمسينيات من القرن العشرين، تلك الفترة التي شهدت انقلابات في جميع المجالات تقريباً ظهر سؤال ملح وهو ما هي الغايات؟ وتحديدا ما الغاية من الأدب وما تأثيره في حياة الإنسان والشعوب بصورة عامة؟ فكان أن انبرى عدد من الأدباء الكبار للإجابة عن هذا السؤال في حينها، ومن هؤلاء الأديب المصري توفيق الحكيم الذي قدم مطالعة مطولة عن معنى الأدب وغايته وفلسفته وتأثيره في الحياة الإنسانية.

بداية الحكيم لم يكن موافقاً على مصطلح الأدب الملتزم الذي طرحه سارتر حينذاك، فالأدب بالنسبة له هو الحرية، وبالتالي لا معنى للأدب الموجه في رأيه، وإلا فقد جوهره وأهميته وأصبح عاجزاً عن التعبير عن الرسالة التي اضطلع بها. ورأي الحكيم كان من منطلق أن الأدب «هو مرآة الإنسان والمجتمع والشعوب»، وبالتالي على الأدب أن يكون محايداً قدر الإمكان. ويرى أن من واجب الأدب إلقاء الضوء على الخير والشر معاً، فهو أشبه بالشمس التي تشرق على العالم كله، من دون انحياز لمكان على حساب آخر. يرفض الحكيم توجيه القارئ لوجهة معينة، أو اغرائه بقبول بفكرة من دون أخرى، وعلى الأدب الرفيع أن يضع أمام القارئ الآراء والاتجاهات والأفكار كلها، ويترك له حرية الاختيار، وهنا يكون الأدب المعلم الحقيقي للقارئ، وعبره يتمكن من تطوير أدواته العقلية كالتفكير والتحليل والاستنباط والاستنتاج وحتى الإبداع، وهذا كله يساعد القارئ على تطوير الوعي والادراك لديه والمجتمع بالنهاية ككل. 

يرى الحكيم أن الإنسان من دون أن يطلع على الأدب لا يمكن له سوى أن يعيش حياة نمطية ومكررة ومألوفة، لا تختلف حياته عن حياة النمل أو النحل مثلاً، بعيداً عن الكثير من القيم الجمالية والمثل العليا، فالأدب يجعل من القارئ أكثر قدرة على تحسس مواطن الجمال في نفسه وفي الطبيعة وفي العالم. 

حياة قارئ الأدب بحسب الحكيم مليئة بالمعاني على العكس من الإنسان الذي لا يقرأ، إذ تكون حياته أشبه بالآلة، نسخة مكررة من نسخ عديدة، إنسان موجود، لكنه لا يعي الوجود كما القارئ المطلع. 

الحكيم ومن وحي فلسفته التعادلية كان يرى أن الفن أيضاً تعادلي، أي أن الأدب يوازن ما بين الحواس والعقل، ما بين الذات والموضوع، بين الشكل والمضمون، بين القوة المبصرة والقوة المفسرة على حد تعبيره. هذه تقريباً أهم ما جاءت به مطالعة الحكيم. 

من الجدير بالذكر أن توفيق الحكيم كان يرفض الألقاب المنتشرة في الأوساط الأدبيّة في الوطن العربي كأمير الشعراء وعميد الأدب العربيّ، وكان يتساءل «لماذا لا توجد مثل هذه الألقاب في أوروبا أو إنجلترا، أو أي مكان أخر في العالم»، وكان يرى أننا مازلنا شعوبا مهووسة بالزعامة والرئاسة، وهذا منافي للأدب والفكر الحر، ويضر بالبيئة الأدبية بصورة عامة، وأنه يفهم أن يتزعم أحدهم مذهباً أدبياً معيناً، أو فيلسوف لمذهب فلسفي ما، لكن أن ينصب أديباً ما زعيماً لكل التيارات والاتجاهات والمذاهب الأدبيّة -على سبيل المثال- فهذا من آثار ورواسب الماضي، ولا يوجد في البلاد المتحضرة. وبالطبع لا يخفى على أحد من كان يقصد الحكيم.