الزعيمة تالة

آراء 2024/01/09
...








 عبدالزهرة محمد الهنداوي


قبل يومين من نهاية العام 2023، وتحديدا مساء يوم الجمعة 29 كانون الاول، احتشد الناس فوق مدرجات ملعب جذع النخلة في البصرة، في صورة أعادت إلى الأذهان ليالي خليجي 25، كان المشهد يوحي ان مباراة مهمة ستجري في ذلك المساء البصري الجميل، حيث جاء الناس من كل محافظات العراق، وبدا ذلك الحضور العراقي، واضحا في الليلة التي سبقت، أمسية الملعب، حيث وجدتُ العراق كله يتمشى على كورنيش شط العرب..

بدت أجواء الملعب رائعة، وكانت درجات الحرارة هي الاخرى تحاكي تلك اللحظات الجميلة، بينما كان صوت رحمة رياض يملأ الأرجاء بهجة وفرحا، وهي تغني (عاش عاش العراق)، ليتفاعل معها الجمهور بحماس كبير، لدرجة أن من يدخل إلى الملعب في تلك اللحظات، يبقى يترقب ظهور الفريقين المتباريين إلى المستطيل الاخضر لتنطلق المباراة!، وتمر 

الدقائق. 

على ذلك الجمهور، الذي ملأ حوالي نصف المدرجات، مرورا رائعا وجميلا، وهو يترقب الحدث الأكبر الذي تحتضنه البصرة في هذه الليلة،

وقف الحاضرون جميعا، يرددون بحب غامر كلمات النشيد الوطني العراقي، (موطني.. موطني)، وكانت الأيادي ترتفع، وهي تحيي العراق، بينما كانت الأساور المضيئة، التي ارتداها الحضور، تزيد الأجواء ألقًا وحبورًا.. ثم قرأ صبي بصري آيات من القرآن الكريم، وكان لعذوبة صوته تأثيرٌ هائلٌ على ذلك الجهور الكبير، حيث ساد الصمت، ليتردد صوت القارئ بين جنبات الملعب (ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)، وما زال الجمهور يترقب الحدث، حتى ظهرت تالة بمعطفها الأخضر الطويل الذي كانت تضعه فوق كتفيها.

تُرى من هي تالة، وماذا يمكنني أن أتحدث عنها وعن ليلتها، التي اجتمع لها العراقيون من كل فج عميق؟.

تالة شابة بصرية حاصلة على شهادة البكالوريوس، في الصيدلة، ولكنها طلقت شهادتها، وذهبت باتجاه آخر تماما، منذ أكثر من ست سنوات، أسست أكاديمية المحاربين الصغار، وبدأت تستقطب إليها، ذوي الهمم، وبإمكاناتها البسيطة، كان العدد يزداد في كل عام، ولم يصبها الاحباط، أو الاستسلام، وهي تصطدم بواقع قاس، فلا الناس ولا المسؤولون يمدون لها يد الدعم، تقول، تالة: زار الاكاديمية الكثير من المسؤولين، وتتلاشى آثار زياراتهم، مع الصور التي كانوا يلتقطونها مع المحاربين!.

تركت تالة كل شيء خلف ظهرها، ونذرت حياتها لمحاربيها الأشداء، لتخوض معهم الكثير من الحروب والمعارك الضروس، وفي كل معركة كاتت تحقق نصرا جديدا، حيث بدأ الناس يؤمنون بها وبمشروعها الإنساني الكبير، وانتشر اسمها في كل محافظات العراق، وبات الكثيرون يتمنون، لون أنها تنقل تجربتها إلى مناطق أخرى في العراق (وهذا ما أتوقعه لها بطبيعة الحال).

في هذه الليلة المشحونة بالجمال، والأمل والعزيمة والأصرار، ستتخرج الدورة الثانية من أكاديمية المحاربين الصغار، الذين اصبحوا

كبارا..

تقف تالة فوق أديم ملعب البصرة، لتبدو وكأنها كتلة من الحب والحنان والعزيمة والإصرار، لتقول بكل ثقة إنها لم تأتِ اليوم لتتكلم كثيرا، أو لتلقي كلمة بروتوكولية، كما هو الحال في مثل هذه المناسبات، انما ستترك الكلام لثمار عملها، فتبدأ تنادي على محاربيها، اسما اسما، ياسر، ابراهم، احمد، محمد، فاطمة، سبأ،.. الخ،، فيتقدم المحاربون بثبات، وهم يحيون الجمهور، وسط عاصفة من التصفيق، راحت أصداؤها تتردد في أرجاء ملعب البصرة.. هؤلاء المحاربون من ذوي الهمم، فاقوا غيرهم، بما حققوه من منجز كبير، فقد اخترع بعضهم أجهزة للنطق وأخرى للسمع، ليكون لها الأثر في مساعدة المعاقين في هذا المجال، وبعضهم برع في الكهرباء، وأخرى في الرسم، وثالث في الموسيقى، فقد تمكنت تالة من تفجير ما كمن في عقولهم من ذكاء، حاول المجتمع بجهله دفن هذه الذكاء، وتغييب هذه الشريحة.

نجحت تالة بأكاديميتها البسيطة، من القضاء على «الوصمة الاجتماعية» وتلاشت حالة الحرج التي تعيشها الأسر التي لديها معاق.

انتهى الحفل بقيام احد المحاربين المتخرجين، بالركض وسط الملعب، مرتديا (روبا وقبعة التخرج) ثم اطلق المحاربون جميعا بالونات كبيرة، وهي مضيئة، لتنتشر في سماء البصرة، في رسالة مفادها، نحن من يرسم البهجة والسرور في النفوس.

تحية كبيرة للزعيمة تالة، وهي دعوة لتقديم الدعم والإسناد لأكاديمية المحاربين في البصرة، فهذه الأكاديمية بصمة عراقية بامتياز.