ايمان غيدان
إذا كنا دائما أحراراً في اختياراتنا، فلماذا نشعر أحيانا بأن هناك من يحاول اجبارنا على القيام بأشياء لا نريدها أو نرغب بها؟ ولماذا نشعر أحيانا بأن الحياة والظروف وحتى الأشخاص الذين نحبهم يمارسون ضغوطا خفية علينا؟. هذه التساؤلات هي التي تأخذنا عادة نحو تقرير المصير (SDT)، النظرية التي تصور الدافع الكامن وراء خيارات نتخذها.. لقد ظلت هذه النظرية تقترح أن أهدافنا لا تتوقف عند ما نسعى إليه، بل أيضا لماذا نسعى لتحقيقها؟ . وبالتالي، فإن الحصول على المال مقابل القيام بشيء ما يجب أن يكون دائماً أكثر تحفيزاً من عدمه، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يتقاضون أجراً مقابل القيام بعمل ما، كلما كان حافزهم أكبر. هذه ببساطة هي السلوكية الفعالة، التي تهدف إلى تحسين نوعية حياة الفرد بشكل عام، وخاصة إذا كانت هناك مكافآت تحفيزية (مثل المال) بعد القيام بفعل معين، وفقا للمدرسة السلوكية.
كان لدى بعض العلماء الذين اجروا بحوثاً عن (الفعل والمكافأة) بعض الشكوك حول هذه الفكرة.. وقد طرحوا تساؤلات منها: ماذا لو كان المال، في بعض الظروف، يعمل كعقوبة وليس مكافأة؟ بحكم التعريف، فأن العقوبة هي فرض لشيء سلبي أو أليم على إنسان أو حيوان أو منظمة أو كيان رداً على سلوك اعتبر أنه غير مقبول من قبل فرد أو مجموعة أو كيان آخر. وبالتالي يكون هو الحافز الذي يقلل من احتمالية تكرار السلوك السابق. لنفترض أنك القيت التحية على شخص ما، وقابلك هو بالتجاهل أو عدم الرد، فأنت بالتأكيد أنت لن تكرر هذا الفعل إذا التقيت به مرة أخرى، أو تحاول تجاهله من منطلق إنه المحفز الذي عاقبك بسبب سلوك القاء التحية. عادةً ما تكون العقوبة على سبيل المثال (تجاهل القاء التحية) محبطة ومزعجة، لهذا السبب يحاول الكثير من الناس تجنب تكرار السلوكيات التي جلبت ردة الفعل هذه (العقوبة). من هنا اسأل عن إمكانية أن يكون المال بمثابة عقوبة لبعض أنواع السلوك؟
تبنى العلماء بهذا الشأن فكرة ظهرت في ستينيات القرن الماضي، وهي أن السلوكيات ذات الدوافع الجوهرية هي الأشياء التي نختار القيام بها عندما نتمكن من فعل ما نريد. لكن علماء النفس آنذاك لم يشعروا بالراحة تجاه فكرة أن الناس "يحركون أنفسهم أو يوجهون أنفسهم"، لأن علم النفس البحثي لم يتقدم كثيراً، وغالبا ما كانوا ينظرون إلى التجارب الذاتية على أنها مجرد ظواهر ثانوية.. وهكذا اعتقدوا أن التجارب الذاتية لا يمكن أن تكون أسباباً للأحداث المستقبلية، لأنها كانت مجرد آثار لأحداث سابقة. وصورا لنا أن الأسباب الحقيقية لسلوكنا، لا بد أن تكون مزيجاً من العوامل الفيزيائية والدوافع البيولوجية والتاريخية للفرد، تحت مفهوم يرى إن كل ما يصدر عنا هو بالأساس من "الحاجة إلى تقليل دوافعنا البيولوجية"، ونحن متحمسون للقيام بذلك، أي أننا نكتسب عادات مشروطة خلال حياتنا من أجلها نلجأ لأفعال ربما هي غير أساسية غاية في التخلص دوافع بيولوجية، والتي تعد جوهرية. نحن نعلم أن الدافع الجوهري هو شيء حقيقي، وأنه من العوامل الأساسية في تعلم الإنسان وتطوره، ولكن فضولنا، هو أكثر من أي شيء آخر نحو كل شيء، وربما هو ما يعزز التعلم العميق والدائم، وليس الثناء الذي نتلقاه عن فعل ما. لذا نجد الكثير من الناس عندما تسمح الظروف لهم بممارسة حرية الاختيار، نراهم يفضلون رفض التحديد أو الاختيار، كدوافع جوهرية في كون الأشياء التي نختار القيام بها هي بالضرورة التي نتمكن من فعلها كما نريد نحن لا غيرنا.