{حمّامات المطار} بين السيف والعنبر

آراء 2024/01/15
...

 حمزة مصطفى


في جريدة “الشرق الأوسط” الأسبوع الماضي نشر الكاتب والمفكر السعودي الدكتور توفيق السيف مقالا بعنوان “صناعة الكآبة”.

كان المقال ردا على مقال للدكتور إياد العنبر في مجلة “المجلة” بعنوان “العراقيون عام 2024 بين التشاؤم والأمل”.

عنوان مقالي “حمامات المطار” يبدو مفارقا لما كتبه كلا الأستاذين الدكتورين، لكنه من حيث الفحوى والدلالة يربط بينهما.

السيف انتقد العنبر بمحبة كونه أراد تبرير المنحى التشاؤمي، فيما يعبر عنه من آراء سواء في إطلالاته التلفزيونية أو من خلال كتاباته.

وحيث أن الدكتور السيف من النمط الذي يميل إلى ترجيح كفة النصف الملآن من الكأس لا الفارغ، فإن الدكتور العنبر بدا “متورطا” في كيفية التوفيق بين نصفي الكأس ملآنا وفارغا مقارنة بفهم العراقيين لمفهوم التفاؤل والتشاؤم. 

أقول ذلك وأنا أنطلق من تجربة شخصية شبيهة بتجربة العنبر، كوني أكتب مقالات واظهر في التلفزيون ومرات أغرد على تويتر سابقا وأكس حاليا مثلما يفعل العنبر وسواه العشرات من الكتاب والمحلليين السياسيين والمدونين العراقيين، ممن يتوجب عليهم إرضاء الشارع العراقي وغالبا النخب العراقية.

صحيح أن رضا الناس غاية لا تدرك مثلما يقال لكن حتى في موازين ما هو نسبي من معايير النجاح أو الفشل، فإنك حين تكون صاحب رأي سوف تواجه بسيل من الاعتراضات والمواقف المتباينة غضبا أو استحسانا أيا كان الرأي الذي تفصح عنه.

الصديق العنبر يعرف جيدا ما سوف أتطرق إليه في السطور القادمة، بينما الدكتور السيف الذي يدعو صديقه العنبر إلى التفاؤل، بدلا من صناعة الكآبة لا يعرف ذلك إلا تلميحا، لأنه ليس متشاركا معنا في بعض في بعض ما يجري من معارك داخلية، لا سيما في كروبات النخبة، وهي كثيرة جدا وتكاد تسهم في صناعة الرأي وتوجيه السياسات.

العنبر يعرف والسيف لا يعرف أن “حمامات” مطار بغداد الدولي تأخذ قسطا وافرا من وقت نقاشاتنا في العديد من الكروبات، التي تضم كل النخب العراقية بمن فيها كبار السياسيين وزراء ونواب وسفراء وقضاة وصناع رأي.

وحمامات المطار لا يعرف المواطن العادي عنها شيئا، لأنه لا يسافر مثل السياسيين والنخب الإ للحج أو العمرة أو العلاج في الهند ولا يلتفت كثيرا لحمامات المطار، لأنه يفتقر إلى تجربة السفر التي تجعله يقارن بين حمامات مطارات الآخرين ومطار بلاده. 

شخصيا كنت الأسبوع الماضي في “دبي” ودخلت حماماتها ذهابا وإيابا، وكنت دخلت حمامات مطار بغداد في الذهاب والإياب أيضا.

ومع الإقرار بأن حمامات مطار دبي نظيفة ومرتبة لكن حمامات مطار بغداد لا تبدو بالسوء، الذي تكاد تنحصر معظم النقاشات حولها، بحيث تتحول إلى قصة تروى وكأنها قضية القضايا.

الإعلامي العراقي شاكر حامد وفي حمى أحد نقاشاتنا حول الحمامات دخل علي على الخاص قائلا: هل تعتقد أن قضية حمامات المطار تحتاج منا كل هذا الاهتمام؟ عرفت قصده وذكرت له عودتي من دبي وقبلها من مطار أربيل وقبلها من مطار أتاتورك في إسطنبول، وذكر لي إنه عائد توا من عمان ولم يجد حمامات مطار بغداد بوصفها قضية القضايا.

الأصل في القصة أننا في العراق لا نستطيع الحديث عن الأشياء الإيجابية أو التي تبعث الأمل أو تصنعه مثلما يريدنا الدكتور توفيق السيف أن نفعل، بل لا نستطيع الكلام حتى على ما يبدو أقل سوءا، لأنك إن فعلت عبر مقالة أو تدوينة أو لقاء على أحد القنوات ليس أقل من العشرات، وأحيانا المئات “يتورشعونك” نازلين بك “حدرة” من الشتائم بوصفك “لوكي مال حكومة” أو تكتب أو تدون أو تصرح بأجر مدفوع لصالح فلان وفلتان وعلان.

المطلوب أن تكون متشائما على طول الخط حتى تكون جريئا ومرضيا عنك. صلحت الحمامات أم لا.