علي حسن الفواز
يبدو أنَّ صعود أحزاب اليمين إلى إدارة السياسة الغربية سيكون محكوماً بتغوّل الخطاب الاكراهي لـ"المركزية الأوروبية" وعبر أطروحات متطرفة تقوم على تأزيم العلاقة مع الآخر، والكشف عن سياسات تتغذّى بأوهام التعالي، وفي ترسيم حدود ضاغطة وعنصرية لمفاهيم الهوية والديمقراطية والحرية والمواطنة، وهي بلا شك ستضع المجتمع الليبرالي الغربي أمام تحديات كبيرة، قد تُطيح بفكرة "الغرب الثقافي" مقابل صعود "الغرب العنصري" وستجعل من " المركزية الأوروبية" مقياساً تداولياً لتوصيف العلاقة مع الآخر المختلف والمهاجر واللاجئ، وهي توصيفات اقترحها الغرب ذاته وهو يتعاطى مع أزمات العنف والحروب التي كان يعاني منها المهاجرون إلى "الغرب الثقافي الليبرالي".
في المانيا، وفي فرنسا، وربما في دول أخرى بات التهديد بـ"الرعب العنصري" جاهزاً، عبر برامج وخطط تضعها بعض الأحزاب المتطرفة فيها، تقوم على طرد "ملايين الأشخاص" ممن لا يملكون أُصولاً تعود إلى جينالوجيا تلك المركزية، وكأن البحث عن "الأوروبي النقي" سيكون شعاراً لأحزاب اليمين الأوروبي، مثلما هو رهانٌ على تحويل الآخر غير المركزي إلى عنصر "عدائي" من الصعب دمجه في مجتمعات المركزية البيضاء، وقد أشارت إليه مؤخراً مجلة شبيغل الألمانية، في متابعتها لاجتماعات حزب البديل الألماني، ولخططه العنصرية مع عدد من المتطرفين، والذين يعملون على تبنّي سياسات الطرد والترحيل والتهجير المضاد، وهو ما ترفضه أحزاب اليسار، ومنظمات إنسانية متعددة تجد في هذه الدعوات المتطرفة عودة إلى النازية وتكريساً للعنصرية ولكراهية الآخر.
التلويح بهذه السياسات، يكشف عن وجود أزمات عميقة في المجتمعات الغربية من جانب، وعن أزمة في "العقل الغربي" ذاته من جانب آخر، على مستوى تفكك منظوماته النقدية، وضعف قوى اليسار في النظام السياسي، ورثاثة الأفكار والفلسفات التي أسست لما يسمى بـ" الإنسانية الأوروبية" والتي وجدت نفسها وسط تحولات فارقة، وحروب كبرى، وأزمات اقتصادية، وأدلجات عنفية، جعلت من خطاب المركزية الأوروبية أمام تحوّل صادم، جسّده الإعلان عن "موت الغرب الثقافي" وعن نهاية أطروحات النقد السياسي والفلسفي التي حمل الفلاسفة الرواد مثل كانط ودعوته لـ"المجتمع الإنساني" وجون لوك في رسالته للتسامح، وفي اطروحاته حول الحرية والمساواة، وصولاً إلى اطروحات دريدا حول تفكيك المركزية الميتافيزيقية للعقل الغربي، وفوكو في نظرته لعلاقة سلطة الغرب بإنتاج العنف والعصاب والرقابة والكراهية.