باول بيلر
ترجمة: أنيس الصفار
الحرب في غزة قد توسعت، والأمر لم يحدث عند الحدود الاسرائيلية مع لبنان أو غيرها من المناطق المشحونة بالمشكلات وتتركز عليها أنظار المراقبين، والتي لا يزال متوقعاً لها أن تشهد مزيداً من التصعيد. بدلاً من ذلك جاء التصعيد ليل الخميس الماضي على شكل ضربات جوية قادتها الولايات المتحدة على أهداف في الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من اليمن.
لا سبيل للشك أبداً في أنَّ هذا الإجراء تصعيد ذو صلة بهجوم إسرائيل المستمر على قطاع غزة وأنه جاء نتيجة له، فقد أوضح الحوثيون مراراً بأن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر –التي جاءت الغارات الجوية الأميركية رداً عليها – هي بحد ذاتها رد على الهجمات الإسرائيلية القاتلة التي تشن على الفلسطينيين في غزة، وأنَّ الهجمات على السفن سوف تتوقف إذا ما، ومتى ما، توقف الهجوم الإسرائيلي على غزة.
لم يكن الحوثيون محددين أو دقيقين في استهدافاتهم، لذا أثرت إجراءاتهم في حركة الشحن والملاحة بشكل عام حتى تلك التي لا علاقة لها بإسرائيل، بيد أن هذه الحقيقة لا تنفي حتمية أنَّ أي حل دائم للمواجهة العنيفة الدائرة حالياً في البحر الأحمر يجب أن يكون سياسياً لا عسكرياً فقط، كما يجب ألا ينحصر باليمن والحوثيين وحدهم بل يشمل إسرائيل والفلسطينيين أيضاً، وكذلك وقفاً لإطلاق النار في غزة.
الأساس المنطقي الذي يطرح في كثير من الأحيان لتبرير هذا النوع من الضربات الأميركية هو "استعادة الردع"، وهي العبارة التي نادى بها في مقر الكونغرس الأميركي "الكابيتول هل" أولئك المؤيدون لشن هجمات جديدة على اليمن. لكن الأمر الذي يغيب عن بال هؤلاء هو أن رغبة الطرف المقابل "لاستعادة الردع" ليست بأقل من رغبة الولايات المتحدة، وهذا معناه أنَّ الهجوم الأميركي سوف يحفز على وقوع رد انتقامي مقابل بدلاً من جعل الخصم ينكمش خائفاً مما قد يقدم عليه الجيش الأميركي لاحقاً.
لقد أبدى الحوثيون من الأسباب ما يكفي للاقتناع بأنهم لن يتوانوا عن رد الضربة بدلاً من الانزواء والاختباء. فهم يرحبون بمثل هذه المواجهة المسلحة مع الولايات المتحدة لأنهم، عدا عن دافعهم الرئيسي المتمثل بدعم فلسطينيي غزة، يشعرون بأنهم حين يظهرون شدة بأسهم في البحر الأحمر سوف يبرهنون على أنهم لاعبون في المنطقة ينبغي أخذهم مأخذاً جدياً لا مجرد أمة فقيرة في ركن بعيد من شبه الجزيرة العربية.
في خطاب نقلته محطات التلفزيون أعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أنَّ الشعب اليمني ليس ممن يخافون أميركا. وأضاف: "نحن لسنا ممن يتهيبون المواجهة المباشرة مع الأميركيين." وفي وقت لاحق علق متحدث باسم الحوثيين على الضربات الأميركية فقال: "من غير اللائق بنا ألا نرد على هذه العمليات."
سيكون الرد الحوثي على الأرجح هو شن مزيد من العمليات في البحر الأحمر، لكن الاحتمال وارد ايضاً ان يشمل صيغاً أخرى من الردود العنيفة ضد الولايات المتحدة بأساليب غير متناظرة.
ليس من الواضح بعد مدى الضعف الذي الحقته الضربات الجوية في الأسبوع الماضي بقدرات الحوثيين على تنفيذ مثل تلك العمليات، أو إلى أي مدى ستضعفها أي هجمات أميركية تكميلية لاحقة. لكن ثمة أحداث سابقة فيها مفتاح الإجابة على هذا السؤال، حيث أنَّ ست سنوات من الحرب التي شنتها المملكة السعودية - مدعومة بالولايات المتحدة - على اليمن، وهي حرب شملت هجمات جوية مدمرة وحصاراً بحرياً، لم تنجح في منع الحوثيين من الرد بهجمات صاروخية موجهة إلى المملكة السعودية أو صدهم عن القيام بعملياتهم الأخيرة في البحر الأحمر.
مجمل القول: إنَّ الضربات الجوية الأميركية تلك لا يرجح لها أن تخفف مشكلة التهديد الذي تتعرض له حركة الشحن البحري عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ناهيك عن ان تحلها. فالتصعيد العسكري في منطقة معدومة الاستقرار أصلاً لا يمكن أن يبعث الطمأنينة في قلوب شركات الشحن أو المكاتب المختصة التي تصدر لهم وثائق التأمين.
الضربات على اليمن، عدا عن ضعف تأثيرها، سوف تستتبعها أضرار أخرى، أولها هو أنها ستهدد فرص التوصل الى تسوية دائمة للحرب الداخلية في اليمن، تلك الحرب التي قد تكون السبب وراء أكبر كارثة إنسانية مستمرة صنعتها يد البشر في العالم إلى أن تخطاها الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة فأصبح أحق بهذا اللقب الكريه. لمعظم فترة العامين الماضيين ساد في اليمن، بحكم الأمر الواقع، وقف لإطلاق النار تخللته مفاوضات سلام عبر وسطاء بعد ان توصل الأمير السعودي محمد بن سلمان إلى أن استمرار الحرب مسعى عقيم وأن التحرر مما أصبح مستنقعاً هو الأجدى لمصالح السعودية، ولا تزال هذه السياسة السعودية مستمرة إلى الآن. حيث جاء رد الفعل السعودي الرسمي على الضربات الأميركية متمثلاً بالدعوة إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، لكن التصعيد الأميركي الذي وقع بالفعل عقد المشهد ومن شأنه الإضرار بآمال التوصل إلى السلام في اليمن بدلاً من المعاونة على تحقيقها.
بيد أنَّ الضرر الأعم والأوسع سوف يتحقق في جانب التكاليف والمخاطر الملازمة لأي توسع في الحرب الاسرائيلية على غزة، وهذه تشمل مخاطر التحفيز على وقوع مزيد من التصعيد في أماكن أخرى على يد لاعبين آخرين متأثرين بتلك الحرب، بالإضافة الى زيادة النشاط العسكري الأميركي المفضي الى حوادث غير مقصودة تنجم عن الإفلات من نطاق السيطرة.
أخيراً - ونظراً لسياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والمنطق الذي يستند إليه الحوثيون في مهاجمة السفن في البحر الأحمر - فإن الضربات الأميركية سوف ينظر إليها على نطاق واسع بأنها دعم إضافي من قبل الولايات المتحدة للدمار الذي تلحقه إسرائيل بغزة. لذا فإنها، من هذا المنطلق، سوف تبعد الولايات المتحدة أكثر عن اتباع شكل السياسة تجاه إسرائيل التي تنهي الدمار بدل أن تطيل أمده. كذلك ستؤدي إلى إضعاف رغبة الدول العربية في التعاون مع الولايات المتحدة في قضايا وشؤون أخرى، ناهيك عن تزايد احتمال وقوع عمليات انتقامية ضد الولايات المتحدة من قبل الذين اغضبهم تورط الولايات المتحدة فيما يعتبره كثيرون في العالم "أعمال إبادة جماعية".
•عن مجلة "رسبونسبل ستيتكرافت"